عقدت الأسبوع الماضي في مدينة قازان عاصمة تتارستان القمة 16 لمجموعة بريكس، واختيار الروس لقازان ليس مصادفة، حيث دعي لهذه المدينة بعض قادة الدول العربية والمسلمة الذين شاركوا في القمة، والذين وجدوا في تتارستان المسلمة كل الحفاوة والترحيب. كذلك، فإن هذه الجمهورية هي إحدى المراكز الاقتصادية المتطورة، وفيها العديد من المصانع الروسية المتقدمة، بما فيها مصانع طائرات الهيلوكبتر، ولهذا فإن تتارستان تبحث في الأسواق العربية والإسلامية عن الإمكانيات والفرص لتسوق ما تنتجه. إن القمة ال16 لبريكس هي من أهم القمم التي عقدتها المجموعة، والسبب يعود إلى اللحظة المفصلية التي يمر بها النظام العالمي، الذي يعيش مرحلة انتقالية أهم معالمها، كما قال رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية السابق مارك ميلي: بروز ثلاث قوى عالمية عظمى هي: الولاياتالمتحدة والصين وروسيا. وعلى هذا الأساس، فإن هذه القوى العظمى سوف تتبارز فيما بينها، في ظل وجود أسلحة الدمار الشامل، ليس عسكرياً وإنما اقتصادياً. ولذلك، فإن قمة قازان التي تحضرها اثنتان من الدول العظمى التي أشار إليها ميلي، وهما روسيا والصين، وضعت على رأس أولوياتها تعزيز الأداء الاقتصادي لهذه المجموعة التي تضم أغلب سكان هذه المعمورة وجل احتياطاتها من الذهب والفضة والغاز الطبيعي. فأكثر ما يخشاه القطب المنافس هو توسع نشاط وكالة الائتمان الخاصة، تحت مسمى بنك التنمية الجديد، والذي سوف يقدم القروض لمشاريع البنية التحتية، فهذا من شأنه منافسة البنك الدولي، الذي ترعاه الولاياتالمتحدة، والذي يعتبر أحد أعمدة النظام المالي العالمي منذ اتفاقية بريتون وودز، وذلك تحت مسمى البنك الدولي للإنشاء والتعمير. ولكن الأخطر، على ما يبدو لي، هو إطلاق نظام الدفع الجديد «جسر بريكس» للدفع الإلكتروني أو الرقمي، والذي في حال نجاحه فسوف يصبح أداة لتسوية المعاملات المالية بين هذه البلدان، بدلاً من نظام سويفت للتسويات المالية العالمية بين البنوك، والذي تم منع روسيا من استخدامه. «فجسر بريكس»، للمدفوعات بالعملة الوطنية من المتوقع أن يكون أكثر أمانًا من المدفوعات بالدولار التي تقع تحت الرقابة المالية الأميركية، التي ترصد كل دولار يتم استخدامه. كما أنه حسب توقع الإيكونوميست، فإن «جسر بريكس» سوف يكون أكثر سرعة من سويفت ولا يستغرق غير ثوانٍ لإنهاء إجراءات الدفع من خلاله. ولذلك، فإذا ما نجحت مقررات قمة قازان الاقتصادية في إرساء الآليات الاقتصادية الجديدة، فإن المرحلة الانتقالية للنظام العالمي سوف تدخل منعطفًا جديدًا. فالعالم على هذا الأساس سوف يعيش بين نظامين ماليين عالميين مختلفين ومتنافسين. وهذا لا يمكن أن يستمر طويلاً، ففي نهاية المطاف سوف يكون البقاء للأحسن.