تأثر البيان الختامي لمجموعة "بريكس" وخاصة الجانب الاقتصادي منه بالمكان الذي انعقدت فيه القمة وبتوازن القوى الذي تطور باتجاه إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب. ولهذا فإن البيان المشترك لهذا التكتل الذي يضم روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل عبر صورة واضحة عن نية هذه الدول على رفع نسبة استخدام عملاتها الوطنية في المعاملات التجارية والاستثمار. وهذا بالطبع من شأنه أن يقلص تدريجيًا من حجم تداول الدولار لإجراء الصفقات عابرة الحدود. ويأتي هذا التطور ضمن إطار أوسع تقوده الصين، التي انعقدت فيها القمة، والتي لديها القدرة المالية على فرش لحاف من ذهب لتغطية السندات التي تصدرها بالعملة الوطنية. فهذا التطور من شأنه، إذا ما تم، أن يحدث تغيراً نوعياً في النظام المالي العالمي الذي أصابه الوهن. فهذا المعدن الثمين، وليس الأوراق النقدية، هو الممثل الحقيقي للنقود. لأن السلع المقيمة بالذهب لا تتغير قيمتها مع مرور الزمن. ولهذا فإذا كانت الصين جادة فيما تصرح به فإن ذلك من شأنه أن يعطي ثقلاً أكبر للعملة الصينية. إن مجموعة "بريكس" بقيادة الصين، وروسيا تسير خطوة خطوة ولكن بشكل حثيث لوضع القواعد اللازمة لإقامة نظام مالي عالمي موازي للنظام المالي المسيطر حاليًا. ففي القمم السابقة "لبريكس" تم إنشاء صندوق مماثل لصندوق النقد الدولي وبنك مشابه للبنك الدولي. أما في هذا المؤتمر فإن المجموعة قد شارفت على الانتهاء من وضع أسس النظام المالي العالمي الذي طال انتظاره. فاليوان إذا ما تمت تغطيته بالذهب فإن النظام المالي العالمي الموازي سوف يتحول تدريجيًا إلى نظام مالي عالمي يحظى بالثقة وذلك بمقدار ما يثبت فعاليته. وهنا يمكن أن نتصور مسارين: المسار الأول: أن يحل اليوان محل الدولار كعملة عالمية خصوصًا بعد أن أصبح الأخير غير مغطى بالذهب منذ سبعينات القرن المنصرم. وهذا خيار سوف تقاومه الولاياتالمتحدة. المسار الآخر وهو المرجح: أن ينشأ نظام مالي عالمي يكون عموده الفقري الدولار واليوان. إنه من الواضح أن العالم سوف يعيش خلال الفترة المقبلة في ظل نظامين ماليين عالميين: أحدهما قد أدى مهمته وساهم في تطوير الاقتصاد العالمي خلال السبعين عامًا الماضية ويشارف على استنفاد إمكانياته؛ وآخر جديد سوف يتطور تدريجيًا ليأخذ المكانة التي يستحقها بمقدار ما يساهم في إعطاء الاقتصاد العالمي دفعاً جديداً بعد أن أصبح النظام المالي العالمي الذي قبله عقبة وخاصة الدولار الذي أدت طباعته خارج كل الضوابط المتعارف عليها إلى إصابة النظام المالي العالمي بكافة الأمراض التي يعاني منها الدولار بعد تعويمه.