خصومة المبدعين أو الخصومة الإبداعية يفترض أن تؤدّيا إلى نفس المحطة؛ فيما لو كان المبدع مبدعاً في ظاهر القول وباطنه، وفي ظاهر كلامه ورمزيته. من الطبيعي أن نختلف ويكون لكل منا رأيه في الأشياء وفي البشر، فنحن نتشكل من معلومات ومعارف وعلوم ومزاج، وننتمي لبيئات مختلفة ومشارب متباينة، فالاتفاق في كل شيء أمر مستحيل حتى بيننا وبين أقرب الناس لنا، ولأن المبدع يشكل حالة من مزيج مختلف عن غيره تكون مواقفه أكثر بروزاً وأكثر تأثيراً. الخصومة الإبداعية تعني ألا تخرج من ثوبك الإبداعي الذي تلبسه وأنت تنظر إلى من حولك أو وأنت تكتب وتبدع، فالخصومة قدر أشمل من قدر الكتابة بكل أنواعها، وكل ما علينا عندما نختلف مع أي إنسان يشاطرنا لذة الإبداع أو صداعه؛ أن نكون منصفين لأنفسنا قبل أن نكون منصفين للآخرين، فنحن عندما نقول الحقيقة أنصفنا ذواتنا بتغليب الحق على نزوة الانتقام أو الانتقاد. وجدتني وأنا في دوامة كتابة هذا المقال وبين لذته وصداعه أستحضر كثيراً من الأسماء التي لم أتفق معها في تفاصيل إبداعية كثيرة، ولكن إشارات الاحترام الكبير بيننا حاضرة، وبعضهم تجاوزت علاقتنا إلى ما هو أقرب من النفس للنفس. إننا نختلف ولكن لا نتباغض ولا نتجاوز الحق، فالشاعر المبدع مبدع في رضا أو غضب أو خصومة، والكاتب القدير قدير في كل الأحوال، والقصة إذا تجاوزت حدود الإنصاف إلى حدود الانتقام للذات كفيلة أن تخرج المبدع من ثوبه وتلبسه ثوباً آخر قد لا يراه في حينها، ولكنه سيقف أمام مرآة نفسه في يوم من الأيام ليجد أنه أمام شخص مختلف؛ شخص ليس ذلك المبدع الأنيق في كلماته وأحكامه. الخصومة الإبداعية التي تكررت كثيراً في هذا المقال تأخذنا إلى حيث يجب أن تكون حدود الخصومة، وإلى حيث يجب أن تكون حدود كلماتنا التي توجع أصدقاء المبدع بقدر مضاعف عن المبدع نفسه الذي ربما تجاوز بعض المفردات المكتظة بالتحامل وعدم الموضوعية. جميل هو النقد وبغيض هو الانتقاد الذي يستهدف الأشخاص بناء على مواقف ربما لم يُحسن قراءتها، وربما عن سوء تقدير، وتصور لم تكتمل مشاهده. المبدع أكثر تأثراً بما يسمعه وما يقرؤه، ولذلك هو مبدع يحمل مشاعره على رموش عينيه، وينتظر كلمة إنصاف أو كلمة نقد تأتي من مخلص للمبدع والإبداع، ولكنه لا يتوقع أن تأتيه كلمات على غير موعد لتوجع مشاعره، وتوجع أصدقاءه الذين يعرفون قيمته ومكانته في عالم مكتظ بأقلام الرصاص الطائش في بعض الأحيان. هذه المقالة تلتحف بروح الخاطرة لأنها جاءت عندما سمعت نبرات الوجع في صوت مبدع حقيقي بل إنه مبدع استثنائي بكل المقاييس الإبداعية والإنسانية لم يكن ينتظر مدحاً لكنه لم يكن يتوقع تجنياً.