في الحقيقة أنه مع الغياب التدريجي لما يسمى محور المقاومة العابر للحدود يمكن لإسرائيل التفكير جدياً في مشروع سلام يمنح الفلسطينيين حقهم عبر حل الدولتين، وعلى إسرائيل أن تتذكر أنه مهما كان حجم انتصارها إلا أن تحول المقاومة إلى مشروع داخل الأراضي الفلسطينية سيكلفها أكثر مما يتصور نتنياهو وفريقه السياسي.. السؤال الجوهري في هذه المرحلة الحساسة في الشرق الاوسط يقول: هل نحن أمام فرصة تاريخية أم نحن أمام مأساة من مآسي الشرق الاوسط؟ الغياب الذي حدث لقيادات تصنف نفسها انها قيادات مقاومة ربما ينعكس بشكل كبير على فرص السلام في الشرق الاوسط، ولكن في ذات لوقت لا يمكن استبعاد حدوث شكل مختلف من اشكال الفوضى، الحقيقة القاسية التي تجب مواجهتها هي فقدان القضية الفلسطينية لتعريفاتها التاريخية خلال العقود الماضية، حيث اصبحت مشروعاً متاحا لمن هم ليسوا جزءا من هذه القضية، وهذه الحقيقة المؤلمة كانت السبب الرئيس في الانشطار الهائل للقضية الفلسطينية. في الواقع أن أحداث غزة التي تجاوزت العام أنتجت موت أكثر من أربعين ألف إنسان دون تفسيرات واضحة أو استراتيجية محددة للاتجاه الفعلي الذي كانت من أجله هذه الحرب، ولنكن صرحاء فلم تكن تلك الحرب ضمن قواعد المقاومة المعتادة للفلسطينيين حيث فوجئنا بأن طرفًا ثالثًا خارج القضية الفلسطينية يرى نفسه محركًا رئيسًا في هذه العملية، وفي الوقت ذاته لم يكن سكان الضفة الغربية جزءا من هذه العملية مما أثار الأسئلة الكبرى حول الأسباب الحقيقية لهذه الحرب، فهل كان هدفها واضحًا أم أنها خدمة لمصالح كسبت منها إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني الذي يطمح العالم كله أن تكون له دولة مستقرة صالحة للعيش. إسرائيل التي خاضت الحرب لمدة عام قد يتطلب خروجها وتهدئتها عامًا آخر، وهذه هي إحدى الأزمات الكبرى، فإسرائيل لديها اليوم طموح كبير لاستثمار ما حققته من انتصارات على الارض او الاغتيالات لابرز أعدائها، إسرائيل بالفعل تريد ترجمة إنجازاتها العسكرية على الارض إلى اهداف سياسية، وفي المقابل فإن الفرصة للحصول على مشروع سلام في وسط غبار هذه المعارك اصبح ممكنا واقرب من اي وقت مضى، المشكلة ان يتم الاستمرار في تعريض سكان غزة للقتل عبر التصريحات السياسية المضادة للمشروع العربي والاسلامي لتحقيق دولة فلسطينية، السؤال الاكثر قسوة في هذه المرحلة: هل يمكن لحماس وحزب الله إنهاء القتال؟، لأن البديل بكل وضوح هو استمرار إسرائيل في عملياتها، فبفضل الدعم الاميركي والدولي اسرائيل لديها القدرة للحرب عامًا آخر. في حرب غزة حصلت اسرائيل على دعم دولي ومساعدات عسكرية هائلة من حلفائها وهي قادرة على تفسير حروبها في غزة ولبنان ومستقبلا أبعد من ذلك الى كونها حربِا تندرج تحت مبدأ التهديد الوجودي لإسرائيل، والحقيقة ان مصطلح التهديد الوجودي لإسرائيل انتجته حرب غزة وتمت صياغته في الاعلام الاسرائيلي والغربي كمبرر مباشر لكل عمليات القتل التي طالت المدنيين، اسرائيل وخلال عام واحد انجزت ما كنا نعتقد انه مستحيل ان تقدم عليه وخاصة في محور المقاومة المدعوم من إيران حيث تم القضاء على أعداد هائلة من المصنفين على قائمة الارهاب الاميركية. الفرصة المتاحة لتحقيق الانجازات وسط غبار هذه المعركة يجب ان تستبعد العاطفة والمثالية، فالكفة تسير لصالح اسرائيل على المستوى الدولي، لذلك يشعر نتنياهو بالحماسة لكسب المزيد، ولكن السؤال: هل يمكن ترويض هذه الانجاز الاسرائيلي الدموي وتحويلة الى فرصة سلام؟ الواقع انه يمكن للضغط العربي أن يعيد تشكيل المفهوم التاريخي للقضية الفلسطينية وخاصة التأكيد على ان فكرة المقاومة العابرة للحدود لم تعد مقبولة لأن نتائجها كارثية وتجربة غزة خير مثال ويجب عدم فتح الفرصة لتكررها في الضفة الغربية. الارض الفلسطينية التي يمكن ان تقام عليها دولة مستقرة لاتزال موجودة، وغزة اصبحت اليوم في طريق عودتها الى تمثيلها الفلسطيني بعد عزلة دامت عقودا، إمكانية إعادة إعمار غزة متاحة الآن ولكن ليس الى الابد، فتقلبات السياسة يمكن ان تغير المواقف وخيارات اسرائيل غير مضمونة، في الحقيقة انه مع الغياب التدريجي لما يسمى محور المقاومة العابر للحدود يمكن لإسرائيل التفكير جدياً في مشروع سلام يمنح الفلسطينيين حقهم عبر حل الدولتين، وعلى اسرائيل ان تتذكر انه مهما كان حجم انتصارها الا أن تحول المقاومة الى مشروع داخل الاراضي الفلسطينية سيكلفها اكثر مما يتصور نتنياهو وفريقه السياسي. ليتذكر نتنياهو أن تحول المقاومة إلى مشروع داخل فلسطين سوف يجذب أمواج التأييد الشعبي العربي والإسلامي، فالقضاء على المقاومة العابرة للحدود والتي تنفذ أجندتها بعيدًا عن الحق الفلسطيني تمر بمرحلة ضعف كبير، ولكن ذلك لا يعني أبدًا موت القضية الفلسطينية، لأن تهديدات الانفجار الداخلي في إسرائيل أصبحت أكثر، والحل الوحيد يكمن في استثمار الاندفاع العربي لإعادة الإعمار والدعم الاقتصادي لدولة فلسطينية وليدة تنعم بالاستقرار لأن ثمن السلام في الشرق الأوسط بكل وضوح هو دولة فلسطينية.