إن في الفكر صوره الجميلة والعظيمة ومحاسنه التامة في العقل والإنسان، وعلى بصيرة كل راشدٍ وحكيم. ولكن مما ينبع هذا التفكر هل من صورة العالم؟ ومن مظاهر الطبيعة المتجانسة في أفلاك المدارات العالية التي تشدنا وترمقنا بعيون نجومها وكوادرها ومثيلاتها من أقمارٍ وشهبٍ تنثال أمام ناظرينا بسرعة الريح، وميضها كوميض البرق؟ ها هي ذي الطبيعة المتماثلة بين يديك، ولكن هل أحسنت التصرف في لقائك معها؟ كلا؛ فالمسألة هنا أن تكون متجانسًا معها لا أهوج في ذاتك معها! فتأمل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) هناك خلق وأبعاد فكرية بل فلسفية بين النهار والليل، والبدء في الظلمة التي علمتنا كيف نشطاط ونحتاج إلى النور كي نكون على بصيرة دائمة حينما كنا في بطون أمهاتنا نعيش في ظلمةٍ إيجابية حمتنا في قوقعتها وحملتنا على ضعفٍ منا إلى أن جاءت ساعة المرحلة الجديدة مرحلة الخروج؛ الانعتاق إلى النور حيث التطور من طورٍ سابق. فهذه الأمور التي تدعو إلى التفكر والعقلنة لا يستشعر بها إلا أصحاب اللب الصافي المنتفِي من الشوائب المشوشة التي تعرقل العقل عن لبه من وصول إلى غاية بعيدة وهدفٍ نبيل. (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا) فهناك تفكيرٌ عميقٌ وشاملُ كل الأوقات والأمكنة. الزمان بما يحمله من مسافات وأبعاد لحظية وهندسة زمنية دقيقة في أوقاتها وألحاظها نحو الكون ونحو البدء حيث المنتهى الذي لم يجئ، هو ذاته المبتدأ لحظة التكوين تشبه لحظة الانتهاء هناك عالمٌ يولد وآخرٌ يموت ليس الحياة كالموت فالتناقضُ واضحٌ بينهما «ولكن في الصورة فقط» فاللحظةُ الوجودية هي القائمة (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) عندما تتيقن لحظتك الأخيرة تدرك أشياءً عظيمة، وتعلم علم اليقين أنك مجرد لحظة في عالمك الفسيح إذ تنطوي كل العوالم في ذاتك، لأنك خرجت منها وستعود إليها. فكل شيء ليس باطلًا، وإنما هناك غاية وأبعاد، وتساؤل عن أهم المسائل الكبرى التي شغلت عقل الإنسان منذُ أن بدأ بمرحلة النضج بعد أن سلك سلسلةً من التطور البيولوجي وأضحى يجيب عن قوةٍ خفية هي من صنعت كل الوجود فكانت مستحقة للعبادة بنظره، فبدأ مرحلة عبادة الطوطم أولى تأملاته في تصور صورة للخالق؛ بعد أن أدرك حقيقة معنى الموت فكان الخوف هو الهاجس الأول لنشوء هذه العبادة. لا جرم أن هذا الخوف الشاغل هو من أوصلنا إلى حقيقة الحقائق نحو نظريةٍ واحدة أن للكون قوة مسيطرة تتحكم بوجودنا وهذه القوة لها مركزيتها وكينونتها المستمرة وديمومتها الدائمة الصادرة من خالقها ومبدعها الذي أفاض العالم بالحركة بعد أن كان ساكنًا.