من أماكن بسيطة وحارات وأزقَّة ضيِّقة، حيث الأحلام مرام بعيدة في أودية الخيال وعيَّن المستهام والطُّموح نحو تحقيقها له ثمن ولذَّة، وما أجمل وأعظم إحساس تحقيق الحلم عندما يأتي في وقته وحينه وما أغزر الأحلام الَّتي تبدَّد وقتها فتبدَّدت لذَّتها بيد أنَّ شطرها الآخر يخفت وهجه، أو ننشغل عنه، وربَّما نتجاهله ويضلّ يكتنز في دواخلنا دون أن نشعر، ولهذا تبقَّى كلُّ الأحلام تحقَّقت أم لا منتشيةً وحاملةً كما قيل : ل «كرامة الحلم نفسه»!. والموهبة يمكن أن تشرق من أيِّ مكان والطَّريق الوعر مع الإصرار، قد يكون مليئًا بالفرص ومن القرى والمحافظات الصَّغيرة والبعيدة بدأت قصص نَّجاح سواء رياضيَّة أو مهنيَّة شخصيَّة وفي مختلف المجالات وعلى المستويات كافَّةً. وقصص نجاح روَّاد الرِّياضة البسطاء فرديَّةً كانت أمّ جماعيَّة، الَّذين خرجوا من القرى وأسوار البيوت ومقرَّات الأندية المتواضعة كُثر، معيدين تذكيرنا بأنَّها ليست مقصورةً على المدن الكبرى وساكنيها من النُّخبة وما تلعبه بعض الاعتبارات من سلب أحلامك، وهو الحقُّ المتاح لكلِّ شخص مهما كانت حياته بسيطةً أن يصعِّد من الأراضي غير الممهِّدة إلى الصُّلبة ومن القرية إلى القمَّة، ومن الأصل إلى الأوج، ومن ذلك خرج العديد من النُّجوم على مستوى العالم ولوَّنوا حياتهم وحياتنا بالإبداع والإنجازات وتمرَّدوا على قيود بيئتهم وصعوبات الحياة ضاربين على ثرى القلوب والعقول أروع الأمثلة. وسمات التَّجارب الملهمة الَّتي يجب أن تكون حركة الشُّعور تجاهها هي تجربة الكابتن شايع النَّفيسة (2023 - 1962م) حيث مثَّل المنتخب السُّعوديُّ وحقَّق أوَّل إنجاز دوليّ يسجِّل في تاريخ الرِّياضة السُّعوديَّة وكان علامةً فارقةً في تسجيل اسمه ضمن لوحة شرف الموهبة الخلَّاقة الحقيقيَّة الَّتي تخصُّه وتنعش أحلامك نحو فضاءات أن تصنع اسمًا محفورًا على امتداد صفحات التَّاريخ الرِّياضيِّ وعندما نقول شايع تلتفت الأنظار وتسطع الأضواء وتلهج الألسن بالدُّعاء له. ومن باب شايع -رحمه اللَّه وجعل الجنَّة مثواه- أخرج لألج لباب نجوميَّة الكابتن الكبير ياسر المكاوني لاعب الهلال والمنتخب السُّعوديِّ السَّابق في لعبة كرة الطَّائرة، وليأذن لي هنا أن أقتبس من نجوميَّته ويستيقظ في خاطري مدَّة مزاملته في نادي السلمية بالخرج عندما لعبنا -معا- في مرحلة النَّاشئين (كرة قدم) وهي بدايته الفعليَّة (لاعب كرة قدم) وتولَّى تدريبنا آنذاك المصريَّ المُكنَّى بشهرته (نبيل كلاكل) -رحمه اللَّه- إنَّ كان ميِّتًا، وأطال في عمره إذا ما كان على قيد الحياة حتَّى اهتدت له نظرة الخبير وحوَّلته من لاعب لكرة القدم إلى لاعب لكرة الطَّائرة ومن ملعب بسيط جدًّا (صبُّه أسمنتيَّةً) إلى أفضل ضارب في مركز (3) محققًا على ضوء ذلك العديد من الإنجازات والألقاب المحلِّيَّة والخليجيَّة والعربيَّة والآسيويَّة في مسيرة ساطعة بالذَّهب امتدَّت ( 22 ) عامًا وعنوانها التزام وصبر وتضحية. والمكاوني أسطورةً من أساطير هذه اللِّعبة ولم يمنح حقُّه إعلاميًّا ربَّما لأنَّ كرة الطائرة لا تحظى بذات الزَّخم الجماهيريِّ والإعلاميِّ الَّذي تحظى به اللُّعبة الشَّعبيَّة الأولى كرة القدم وإلَّا كيف لك أن تحصي (40) لقبًا حقَّقها وما أعظم هذا التَّاريخ والأثر يا ياسر!. وتأسيسًا على ذاك فناديا الكوكب والسلمية قدمًا أعظم موهبتين في تاريخ محافظة الخرج في لعبتي كرة القدم وكرة الطَّائرة، عذرًا ؟ بل في تاريخ الرِّياضة السُّعوديَّة قاطبةً ولا أظنُّ هناك من ينازعني في هذا الرَّأي إلَّا حديث عهد بالرِّياضة أو لم يقرأ التَّاريخ وهو ما لم تستطع بقيَّة أندية المنطقة أنَّ تقدُّم مواهب بذات قيِّمة البرجين الشَّامخين (شايع/ياسر) الَّتي تطال قمتهم المجد ومصدر فخر واعتزاز لبيئتهم وكَّل المنتمين لها من (الرِّياضيِّين الحقيقيِّين). ولنتذكَّر أنَّ قصص الأبطال تختلف، لكنَّ القاسم المشترك هو الإيمان بالنَّفس والموهبة، والعبور من الأوقات الصَّعبة، وإذكاء خامد الهمم، فاتحين للأجيال أبواب الحاق بهم، وأنَّ لكلّ رياضيّ كان، أو غير رياضيّ، قصَّة تبدأ من مكان بسيط ليصبح نجمًا لامعًا في مجاله. شايع النفيسة (رحمه الله)