توحّد أكثر من ألفي دار نشر تحت هذا الشعار في معرض الكتاب الدولي بالرياض لهذا العام 2024، ليكون طريقاً ممهداً نحو ثقافة عالمة وممتدة، فقد اتسعت مدارك الجمهور وهو يقتات على المعرفة ويرتوي من منهل الثقافة، عشنا طوال أيام المعرض الذي استمر لمدة عشرة أيام وذلك من خلال مئات العناوين التي اشتملت على كل العلوم والمعارف، الرياض عاشت تحولاً ثقافياً ومعرفياً، ولم يكن ذلك التحول مقتصراً على اقتناء الكتاب فحسب بل تجاوز إلى أبعد من ذلك نحو اتساع العمليات الاقتصادية والتجارية مع ازدياد توسيع إدارة المال من خلال قنوات متعددة بدءاً بالمؤلف والناشر ومؤسسات الطباعة والتوزيع، حيث برز العديد من العناوين في معرض الكتاب لهذا العام وقد حققت مبيعات كبيرة جداً وهذا يؤكد تجاوز الأبعاد الثقافية والمعرفية إلى أبعاد نفعية اقتصادية لدور النشر مع الاستعداد لطباعة نسخ جديدة واستقطاب واضح لعناوين أخرى سوف تأخذ دورها في النشر، ونحن في المملكة يهمنا بالدرجة الأولى توسيع دائرة الثقافة والمعرفة ولهذا لن أتحدث عن الأبعاد الاقتصادية وأترك هذا الجانب للعارفين في الجوانب المالية، وما يهمني في هذا الصدد وسوف أتطرق إليه هو الملمح الثقافي عن المعرض وذلك من منظور بانورامي يسمح لنا برؤية كل أبعاد المعرض كي يتاح لنا معرفة ذلك العمق الثقافي الذي سعى إليه كل القائمين على المعرض والذي اتسع في الدائرة البعيدة ليتواكب مع تطلعات القيادة ومع رؤية المملكة حيث أتاح شعار المعرض هذا العام نوافذ مختلفة ومتعددة انغرزت في واقع التجربة الثقافية للوطن، وأرخت بظلالها نحو مشاهد مختلفة في الرواق الثقافي العام وبكل تنوعه، الأمر الذي جعل من زوار المعرض يدركون أن الشكل العام للمعرض بتصميماته وفي كل ملامحه وتفاصيله يتوازى ويتكامل مع الأبعاد الثقافية للمملكة والعالم، ولهذا اختير هذا الشعار (الرياض تقرأ) ليكون مفارقاً تماماً عن غيره في الأعوام السابقة، حيث يهدف إلى أن يضع الجمهور وزائري المعرض من وفود المملكة ضمن الدائرة الواسعة لكامل المشهد الثقافي على اختلاف تنوعه وتعدده في كل أرجاء المملكة، لا سيما وأن هناك بعض الموروثات الثقافية في المملكة سجلت في المنظمة العالمية اليونسكو وأصبحت ضمن التراث العالمي الإنساني وأتيح للجمهور استعراض بعض جوانبها، وشعار هذا العام «الرياض تقرأ» وضعنا أمام لوحتين؛ الأولى: قراءة أبجدية أتاحت لهذا الجمهور العريض أن يقرأ تلك العناوين التي وفدت من كل أقطار العالم من خلال دور نشر عربية وعالمية، والقراءة الثانية هي قراءة تأملية في مسرح المعرض بكل تبايناته وأبعاده وملامحه وأشكاله، فقد بدأ المعرض بوجه مشرق ومزدان بارتداء حلل من الثقافة التي قد تتقاطع مع الثقافات العالمية، حيث إن التوجهات الأممية تهدف إلى الحفاظ على الموروثات الثقافية ونشرها وتوثيقها باعتبارها إرثاً حضارياً يجب الحفاظ علية والاهتمام به، وهذا من شأنه أن يعزز التواصل والتفاهم العالمي من جانب، ومن جانب آخر يتيح لنا في المملكة تقديم تجربة ثقافية فريدة لكل زائري هذا الوطن، ولهذا عنيت إدارة المعرض المتمثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة وبإشراف مباشر من وزارة الثقافة بأشكاله وملامحه المختلفة ليكون متوافقاً مع الثقافة الإنسانية، حيث ظهرت بعض ملامح الديكور بتصميمات الفن التكعيبي خصوصاً في واجهات الدور، حيث شكلت ملامح الكتب هذا الفن من خلال نحت الألواح الخشبية لتمثل ذلك الملمح كذلك مكعبات ترتصف على بعضها في أروقة وممرات المعرض ذات أشكال هندسية توحي بدلالة فنية عالمية، كتب عليها إرشادات وعناوين داخل المعرض وغير ذلك من السمات التي تؤهل معرض هذا العام ليكون معرضاً عالمياً بامتياز ويستحق الشعار بجدارة، فقد اتسع أفقياً وكان يتمحور حول المعرفة والثقافة وحين يكون المحرك الأساسي هذين البعدين فإن التوسع سوف يفضي إلى التنوير والشمول والاتساع ويطال إلى الآخر المختلف، وإن دائرة الضوء حتماً يشع منها الضياء في كل الأرجاء، ولهذا مُكنت القدرات الفكرية والثقافية من أبناء هذا الوطن لتشارك في المعرض كل حسب تخصصه ومعارفه، وأجزم أن معرض هذا العام باكورة لأعوام قادمة تزدهر بعوالم ثقافية وتنوع من الفنون والمعارف والعلوم، وستحمل معها أطيافاً من الثقافات بانطلاقة كبيرة لرهان كاسب تمتد بعمق نحو مفهوم الرياض تقرأ، ولن يكون معرض الرياض لهذا العام هو آخر ما نلهم به هذا العالم بل سنكون ضمن سياق الركب الحضاري وفي صفوفه المتقدمة.. وإلى لقاء. «أنتمي» برنامج خصصته الدارة لبث الوعي وتعزيز الهوية (عدسة - نايف الحربي) عوضة بن علي الدوسي