لكم أن تتخيلوا لو تم استغلال هذه الأراضي وفق تشريع وتنظيم، وفُتح باب المنافسة ليس على تملكها بل تنميتها واستغلالها وبنائها، تخيلوا أنه حين يزيد العرض على الطلب فإن أسعار العقارات سوف تنخفض، وبالتالي؛ نمواً لطبقة الشباب، وازدهاراً للقوى العاملة، وزيادة لمعدلات التوفير والاستثمار، وازدياداً لفرص العمل وتنوعها، وحلاً جذرياً لمشكلة الإسكان، وتخفيفاً للعبء على خزينة الدولة.. أتذكر جيدًا حين بدأت حكومتنا الرشيدة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله-، بفرض رسوم على الأراضي البيضاء التي لا يتم استغلالها وتنميتها وتطويرها، أن بعضاً من محتكري هذه الأراضي اعتبروا أن القرار قاسٍ، وأنها أرض لا يستطيعون حالياً تطويرها ولا يستفيدون منها كيف يدفعون عليها رسوماً، ولكننا اليوم وفي العام 2024، أصبحنا نعي جيداً أن الحكومة الرشيدة قرأت القادم واستشرفت المستقبل، وما تمر به مدن المملكة اليوم وبالأخص الرياض العاصمة، من أزمة في السكن، وارتفاع غير معقول وخيالي في أسعار العقارات والإيجارات، وإن هؤلاء الذي اعترضوا على الرسوم سابقاً استطاعوا كمحتكرين لهذه الأراضي البيضاء من إيجاد وسيلة يتربحون بها، وعلى حساب الشباب السعودي، دون أي اعتبار لمفاهيم رؤية المملكة 2030، سياحة واقتصاد واستثمار. وأتذكر جيداً أن المشكلة بدأت بالانكشاف منذ فترة تجاوزت العشرة أعوام، بل إنه وفي العام 2012، بدأت أزمة السكن في السعودية تشكل هماً وقلقاً كبيرين، إذ ارتفعت أسعار الأراضي والبيوت الجاهزة أكثر من 40 %، وتضررت شريحة كبيرة من المجتمع السعودي، وحدا هذا ببعض علماء الشريعة في حينه بإصدار فتاوى والمطالبة بوضع حلول لهذه المشكلة المتمثلة بالاحتكار السلبي الضار للأراضي البيضاء، وها نحن اليوم وبعد اثني عشر عاماً، نشهد ارتفاعاً جديداً ومضطرداً، انفلاتاً في الأسعار لا ضابط ولا رقيب ولا حسيب، ونعيد المطالبة بضرورة معالجة هذه المشكلة التي لا يمكن -كما هو واضح- أن تقف عند حد معين، بل أصبحت كالفايروس الذي ينمو وينتشر ويضر في كل مكان وفي كل مجال. مليارات الأمتار من الأراضي البيضاء، لا تأكل ولا تشرب، متوفاة بقرار ملاكها الذين يحسبون كم يدفعون رسوماً والتي لا تتجاوز ال2.5 %، مقابل ارتفاع سنوي يتجاوز ال10 %، تعطيل للتنمية، تعطيل لحل مشكلات الإسكان، طغيان ملاكها على مساحات كبيرة الشبابُ بأمس الحاجة لها، الشبابُ هم أساس توازن وتقدم كل مجتمع وكل حضارة ونمو كل اقتصاد، هذا التغول على طبقة الشباب المحركة لكل نمو في المملكة، لا بد أن يتوقف، لا بد أن يدخل حيز النظام التشريعي المنظم لملكية هذه الأراضي، من حيث الحد الأعلى لمساحة تملكها، والفترة الزمنية لبقائها بيضاء، وربط رسومها بعامل ما يستفيدون به من ارتفاع سنوي وتكسب مهول مرعب غير مستحق أبداً. حرروا هذه الأراضي من الاحتكار الجشع، دعوها تتنفس وتأكل وتشرب وتنمو وتتوالد، لا مجال لكي نترك هذا الاحتكار البغيض المؤذي يعيش كالسرطان، يرافق كل نمو وكل حلم وكل طموح لدى شبابنا، يمتص الأحلام ويرمي شباك الاكتئاب، لكم أن تتخيلوا لو تم استغلالها وفق تشريع وتنظيم، وفتحوا باب المنافسة ليس على تملكها، بل تنميتها واستغلالها وبنائها، تخيلوا أنه حين يزيد العرض على الطلب فإن أسعار العقارات سوف تنخفض، وبالتالي نمواً لطبقة الشباب، وازدهاراً للقوى العاملة، وزيادة لمعدلات التوفير والاستثمار، وازدياداً لفرص العمل وتنوعها، وحلاً جذرياً لمشكلة الإسكان، وتخفيفاً للعبء على خزينة الدولة. قد يقول أحدهم كل هذه المخرجات الإيجابية ستأتي من وراء تحرير الأراضي البيضاء وإلغاء سياسة احتكارها؟ أقول لمن قد يسأل هذا السؤال أنت لا تعي جيداً حجم المشكلة للأسف، أنت لا تعي ماذا يعني أن يبحث شاب سعودي عن عقار لا ليتملكه، بل ليستأجره، وكم سيدفع، وكم حجم الضغط الذي سيعيشه وهو ينتظر خوفاً من أن يرفع مالك العقار قيمة الإيجار، ولك أن تتصور وتتخيل أيضاً من يريد أن يتملك عقاراً، يشتري شقة أو بيتاً، فكيف بمن يريد أن يمتلك أرضاً ليبني عليها بيت العمر، بيت الأحلام، هذا والله ليس كلاماً عاطفياً أو إنشائياً، بل هو واقع نعيشه كل يوم، يعيشه كل أب وأم مع ابنهم وابنتهم وهم يخططون لمستقبلهم. يكفي أن نعلم جميعاً أن الغالبية العظمى من الشباب السعودي يبحث عن مسكن في منطقة بعيدة عن المدينة وعن عمله وعن خيارات مدارس أولاده وخيارات المرافق الصحية والخدمية، لسبب واحد فقط، أنه لا يستطيع أن يجد مسكناً أو يبني بيتاً، وهي مهزلة مؤلمة، وكوميديا سوداء، في بلد كالسعودية بمساحتها الجغرافية الأفقية المهولة المتسعة، توجد مشكلة في تملك الأرض وإحيائها، وأن هناك مشكلة في السكن، وصدق من قال إن مشكلة السكن لدينا فكر وليست أرضاً ومساحة، حينها انتقدناه، واليوم نعي جيداً أن الوطنية والولاء والنمو والازدهار لا يمكن أن يكون بوجود فايروس الاحتكار في أي مجال كان، فكيف حين يكونوا احتكار الرمال لكي تبقى رمالاً.