في غمرة النفس تذوب اللحظات السعيدة وتنطوي السنين مع لحظتها الصامتة ويتهيأ العالم للسكون الغامر في دياجير الحروف والكلمات مستمعًا إلى تاريخ الذكريات، وما الحياة إلا لهو وعبث عندما لا نحسن صناعة أنفسنا ولا نميز بين الحق والباطل، فالتمييز وتصنيف الأشياء هي الحكمةُ ذاتها التي تجعلنا نسير في طريق صحيح دون ضجيج فالحُسن يكمُن في اختيار الأشياء الفاضلة. وعندما تسير الأمور بنحوٍ جيد نستطيع التنفس بروحٍ عالية (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) فالمسألة مربوطة بالصبر والحكمة واجتناب الأمور الضارة للنفس فإن جنحتَ إلى هذه الكلمات تصبح إرادتك قوية لها عزيمة وإصرار على اختيار أفضل الطرق والمسائل المناسبة لحياة أفضل، فإن سلكت هذه المسالك حتمًا أدركت أهمية الحياة وجودتها. وفي غمرات أخرى يركن الإنسان على أشياء ربما في ظاهرها شر ولكن في مضامينها خيرٌ مطلق كالحروب والفتوحات في التاريخ فكثير من المنظرين يراها سيئة وإنما في حقيقة الأمر هي نافعة فقد أحدثت الابتكارات الجديدة في الصناعات وخلق تقنيات جديدة، إذ لولا الحرب العالمية الثانية لما عرفنا الصواريخ الفضائية، وقس كذلك على الزلازل والبراكين فهي من الطبيعة وحدوثها مدمر ولكن على الصعيد الديمغرافي والبيئي نافعة من حيث اكتشاف أمور داخل باطن الأرض كالمعادن وغيرها. وهذا الدور نطلق عليه الجدلية في تغيير مسارات الوضع الراهن، فالديلاكتيك موجودٌ في حياتنا البيئية وفي طبيعتنا البشرية والكونية أيضًا فلا يتغير شيء من دون صراع بين ضدين، فالجديد يبقى إلى أجلٍ محدد والقديم يندثر وهكذا تستمر الأمور (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) فالفساد هو بقاء الأشياء على سكينتها، ولكن عنصر الحركة هو ديمومة مستمرة لإزالة كل شيء انتهت صلاحيته ولا يصلح لعمارة الحياة والكون. فالحياة شيء متحرك له روح، والكون كذلك هو كائن له روح يتكون ويتشكل وله حركة انتقالية تنقل من وجود إلى وجود آخر بمجراته وتوابعها الشمسية. ونحن البشر علينا أن نتقبل الجديد ولا نخشاه لأنه في الأخير ينصب في مصلحتنا، بعكس القديم الذي نتمسك به بشده نضن أنه يحمينا، فحين نجدد ونستحدث كل شيء نتقدم نحو المعرفة الصحيحة وليست المزيفة التي تحمل شوائب الماضي، فالشعوب التي تقدمت عكفت على إيجاد الفكرة الجديدة التي تنقلهم من حالٍ إلى حالةٍ أفضل من سابقتها. فديناميكية المعرفة أن نستمر في تصحيح دائم لكل نظرية أو فكرة نراها خاضعة للنقد، فالنظرية لم تأت صدفةً لدى عقل المتلقي، وإنما العلة الأساسية في هذا المضمار هو تغيير المفهوم القديم أو الخروج من الواقع المأزوم إلى واقع أكثر رحابة في جلب المعطيات النافعة.