لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية.. لم أكن أعلم أنني سأودع القرني بحزن، لكن بمجرد إعلان الرحيل غمرتني عواطف الذكريات، وأهازيج المدرجات، وتفاصيل اللقاءات التي كنا نطرب فيها لسلطنته وطربه ونعيش معها تفاصيل اللقاء والوفاء. كان الحضور بين أفراد الرابطة إنجازاً ينتظره الجميع ويفتخر به كل من ينضم لهذه المجموعة، فرؤية القرني وهو يشدو تعد جزءًا من الثقافة الاتحادية التي تربى عليها المشجعون وورثوها لأبنائهم بعد انتقالهم للجهة المقابلة من المدرج. كان المشجع الاتحادي يسير متباهياً بالمدرج الذي أضاف القرني لتميزه مزيجاً من الشموخ والكبرياء والحضور الملفت والمرعب على الخصوم. ترجل صالح القرني، بعد ثلاثة عقود كان فيها العلامة الأبرز في تاريخ المدرجات لم يحضر كغيره من المشجعين، بل اختار أن يبدأ بمنافسة المطربين وكتابة فلكلور جديد خاص بمدرج الاتحاد. ثلاثة عقود كأنها ليلة شدا فيها القرني ورحل بخطاب إداري لا أعلم خفاياه، هي سنة الحياة لكنها تعيدنا لتلك الليالي حين أصدر ألبومه الأول، الذي زاحمت تويوتا فواصل أهازيجه بمقطعها الشهير "تويوتا وبس". كان القرني يكرس ثقافة التشجيع ويغرس في نفوس العشاق فكرة التشجيع كوظيفة، حين تتجه للملعب فعليك أن تتقن الأهزوجة وتتمايل مع اللحن وتتفاعل مع تفاصيل اللقاء كاللاعبين تماماً. لم يكن القرني يغني للاتحاد، بل كان يشدو للجماهير الرياضية ولاعبي الخصوم ولا تستغرب لو كان القرني أحد أسباب انتقال اللاعبين للاتحاد. كان الدعيع يعرف سر هذا الوهج ويصر على اختيار الجهة الشمالية من الملعب في الشوط الأول ليُبقي مهاجمي الاتحاد بعيداً عن هتافات القرني في الشوط الثاني وتحفيزاته الاستثنائية. أضاف القرني لمدرج الاتحاد رونقاً ونغماً، وأبحر به حول عالم الجماهير ليُعرف الرياضيين بثقافة التشجيع المختلف والمدرج المؤثر ليكمل ما بدأه من سبقوه في هذا المكان. كانت الجماهير تتهافت على صبة العشاق ظهراً ويحتشد الآلاف للمتابعة، لم يكن الاتحاد كل شيء في هذا المدرج، فقد كان صالح جزءِا منه، وشخصية جاذبة للجماهير القادمين من خارج مدينة جدة الطامعين في قضاء ليلة تاريخية بجوار هذا العندليب. لم تثنِ حرارة الشمس عشاق الطرب من التكدس داخل هذا المدرج، الكل ينتظر بشوق حضور العندليب، يحضر بشموخ ويتخطى المدرجات حتى يصل لموقعه وسط الرابطة، تبدأ "العدة" بالتسخين كاللاعبين تماماً وتتجاذب أطراف الحديث مع صفقات الأيادي المتحفزة ، ثم تصدح حنجرة صالح بتكرار العبارات المتقاطعه بلامعنى"هووه.. وييييه". كل ما ينطقه العندليب له معنى مختلف ونغمة يفهمها المدرج تماماً، في يومها نزل العين الإماراتي ليمتص هيجان المدرج، كان العندليب يستدرجهم بهدوء وصمت، لم يتحدث بشيء، صمت يخيم على المشهد، وصراخ جماهيري متواصل ينتظر بدء العندليب بالإشارة. استمر العندليب بمراقبة المشهد حتى اقترب لاعبو العين من الرابطة فشدى بأهزوجة "من عاند البحارة" كانت أشبه بإعلان الحرب وانطلاق فتيل النهائي الأشهر، هاجت المدرجات وتحول اللقاء إلى عرس كروي بعد أن تحكم العندليب في هيجان الجماهير كما يتحكم عبدالحليم حافظ بفرقته الموسيقية وهذا تحديداً سبب تسميته بالعندليب. كانت ليلة من ليالي تاريخية تجلى فيها صالح وترك ذكرياتها في وقع نفوسنا وفي ذاكرة تشيكو البرازيلي الذي ودع صالح من البرازيل بترديد أهزوجة "مشكلني حب الاتحاد" أو "اتحادي ما في مُسكلة" كما ينطقها ابن السيليساو. اليوم يترجل صالح بصمت وبعد مطالبات بابتعاده لكنه يبقى رمزاً تاريخياً لهذا المدرج ورجلاً وضع بصمته حتى أضحى علامة فارقة في مدرجات كرة القدم، شكراً صالح القرني لا تكفيك لكنها ستبقى عنواناً لتميزك وتفردك كقائد صنع من الأهزوجة فلكلوراً ومن المدرج سنداً ومن التشجيع ثقافة تفرغ البقية لتقليدها حين عجزوا عن مجاراتها. صالح القرني عماد الحمراني