يحل اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية هذا العام (1446ه) وقد طوتْ بلادنا الغالية أربعة وتسعين عامًا على توحيدها بهذا الاسم (المملكة العربية السعودية) محقّقة إنجازات ضخمة على كافة الصعد، وهو ما تجلّى في العديد من القصائد الشعرية الوطنية التي قيلت في المناسبات الكبرى مثل: الحج، أو افتتاح الجنادرية، أو بمناسبة اليوم الوطني، أو بمناسبة افتتاح مشروعات تنموية، وغيرها من المناسبات. هذا الرصيد الضخم من الشعر شارك في بنائه معظم الشعراء ومن مختلف المناطق، وشكّل تيارًا بارزًا له أثره وتأثيره، وكان مجال دراسات جامعية عليا (ماجستير ودكتوراه) استهدفت هذا الشعر الوطني بالرصد والتحليل. وقد وقفت على إحدى عشرة رسالة جامعية في هذا الاتجاه، فبعضها درس الشعر الوطني بعامة مثل رسالة عطا الله بن مسفر الجعيد (رئيس نادي الطائف الأدبي)، وعنوانها "الوطن في الشعر السعودي المعاصر"، وهي مطبوعة ومتداولة، ومنها رسائل توجهت إلى دراسة الشعر في منطقة معينة، وهناك ثلاث رسائل في هذا المحور، وهي: الوطن في شعر شعراء منطقة الرياض: دراسة في الرؤية والتشكيل لإبراهيم المسلّم، ولوطن في شعر شعراء القصيم: دراسة موضوعية فنيّة لعبدالله بن علي الفهيدي، والوطن عند شعراء جازان: دراسة موضوعية فنية لعائشة بنت محمد عريشي. وهناك رسائل عُني أصحابها بدراسة الاتجاه الوطني لدى شاعر محدّد، ومن الأمثلة الرسائل التالية: الوطن في شعر عبدالله بن خميس: دراسة موضوعاتيّة لمحمد بن عبدالله العمّار، والوطن في شعر غازي القصيبي لأريج بنت عثمان العميريني، وهي مطبوعة، والوطنيّة في شعر أحمد قنديل: دراسة موضوعية فنية لعبدالعزيز بن عقلا العنزي، والوطن في ديوان (وطني والفجر الباسم) لعيسى جرابا: دراسة أسلوبيّة لأروى بنت عبدالكريم السويلم، والوطن في شعر محمد بن سعد الدبل: دراسة موضوعاتية لجميلة بنت عبدالرحمن القحطاني، والوطن في شعر محمد الثبيتي: دراسة موضوعاتية لحمود بن جزاء العتيبي، والشعر الوطني بين حسن القرشي ومحمد الخطراوي لعبده البركاتي. بل إن الشعراء السعوديين لم يقتصروا على قصيدة أو مجموعة قصائد في الوطن، بل سعى بعضهم إلى توثيق مسيرة توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في قصائد مطوّلة جدًا، وأطلقوا عليه وصف ملحمة، ومنها الأعمال التالية: ملحمة أحسن القصص لخالد الفرج. ملحمة أمجاد الرياض، للدكتور محمد العيد الخطراوي، 1394ه. الملحمة الشعبية في تأسيس الملك عبدالعزيز للمملكة العربية السعودية لعبدالله العلي الزامل، الرياض، 1399ه. ملحمة المجد، لأحمد إبراهيم مطاعن، 1415ه. وأعظم شاعر خلّد مآثر الملك عبدالعزيز وتاريخه هو الشاعر الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي (1318-1401ه) فقد بلغ عدد قصائده في الملك عبدالعزيز (95) قصيدة؛ يليه الشاعر محمد بن عبدالله بن بليهد بأربع وثلاثين قصيدة، ثم الشاعر فؤاد شاكر بثمان وعشرين قصيدة، ثم الشاعر محمد بن عبدالله بن عثيمين بأربع وعشرين قصيدة، وهناك موسوعة شعرية كاملة تضم كل ما قيل عن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من شعر ستصدر عن دارة الملك عبدالعزيز بإذن الله. ولعلي أتوقف عند بعض الظواهر التي تلفت الانتباه في الشعر السعودي في هذا الاتجاه، ففي المدة بين تأسيس المملكة عام 1319ه وتوحيدها عام 1351ه كان الشعر في هذه المدة التي تبلغ أكثر من ثلاثين سنة يتجه إلى مواكبة المعارك التي خاضها الملك عبدالعزيز لتوحيد هذا الكيان ووصفها ووصف شخصية القائد البطل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وتضحياته وشجاعته وطموحه، وتكوّن من هذا الشعر ديوان ضخم جدا، منه الملاحم السابقة وقصائد أخرى كثيرة جدا رصدتها موسوعة الملك عبدالعزيز. وبعد إعلان توحيد المملكة العربية السعودية في عام 1351ه / 1932م بدأت تظهر بوضوح مفردة (الوطن) في العديد من القصائد، وأسهم معظم الشعراء السعوديين في هذا الاتجاه الوطني وتعميق الانتماء إليه وتأكيد أهمية اللحمة الوطنية، وجاءت هذه القصائد في صور متعددة، أبرزها القصائد التي تروي قصة توحيد المملكة، أو تعدّد مدنها، أو تبرز وجود الحرمين فيها، وهناك نصوص جاءت في قالب النشيد، ويراد منه أن يكون مادة في المدارس وأن يردّده الطلاب في المناسبات الوطنية. ومن أبرز الشعراء الذين طرقوا هذا الجانب الشاعر حسين عرب رحمه الله الذي كتب نشيدًا في الملك، ونشيدًا للوطن، ويعود نظم نشيد الملك إلى عام 1354ه أي بعد سنوات من إعلان توحيد المملكة، وفي مستهله يقول: مليكنا يا دوحةَ المعالي ومعقل الرجاء والنوالِ عش للندى والمجد والآمالِ تزهو بك الأيام والليالي أما النشيد الوطني فقد كتبه في وقت متأخر عن نشيد الملك، ويعود نظمه إلى عام 1396ه، وفيه يقول: في جبين الشمس في جو السما قد سمونا ورفعنا العلما ديننا الإسلام نستهدي به وبه نفدي ونهدي الأمما نعتز بالإيمانْ ونبذل الإحسانْ إلى أن يقول: حاضرٌ زاه وماض زاهرُ وغدٌ يرنو إليه الناظرُ هكذا كنا وما زلنا بنا غرّد المجدُ وغنى السامرُ وابتسم الدهرُ وأشرق الفجرُ وممن أسهم في كتابة الأناشيد الوطنية الشاعر عبدالرحمن بن عبدالكريم العبيّد رحمه الله إذ نعثر عن نص نشره عام 1384ه، وأعاد نشره في ديوانه "في موكب الفجر"، وعنوان النص "نشيد يا موطني". على أن عددًا من الشعراء السعوديين وجدوا أنفسهم مندفعين للتعبير عن حبهم للوطن ليس بقصيدة أو اثنتين، وإنما بقصائد كثيرة استحقت أن تجمع في ديوان مستقل، وهذه الظاهرة تؤكد نمو الحديث عن الوطن والرغبة الصادقة في الحديث عنه كلما سنحت فرصة للقول، ومن هنا رأينا المكتبة السعودية تحفل بدواوين تحمل عبارة (الوطن) أو (وطني) في العنوان، ومن الأمثلة على ذلك الدواوين التالية: عيناكِ يتجلى فيهما الوطن لأحمد بن صالح الصالح (مسافر)، وفيه نجد العناوين التالية: وطن، أنت لي ونحن والحرف للوطن، يوم الوطن، يقول في القصيدة الأولى: أنتِ في الأعماق إيمان ورفضُ أنتِ لي شمس وظل أنتِ لي بحر وأرضُ أنتِ طوفانٌ عصي شرعه مدٌ وقبضُ لغةٌ تزهر في الحرف وفي الأجساد نبضُ ديمة تمطرُ حبًا فإذا الإلهام فيضُ وطنٌ يمتدُ عشقًا حبه في القلب محضُ بين عينيكِ وقلبي وطنٌ تقواه فرضُ أما الشاعر عبدالله الصيخان فقد سمّى ديوانه "هواجس في طقس الوطن"، وهناك قصيدة بهذا العنوان، وهي من أشهر قصائده وأكثرها مقروئية، وفيها يرى الوطن أغنية يتردد صداها في مسامع الزمن وتنبعث أنغامها ترانيم صداه لا ينقطع، إنها المعاناة ومشاق الارتحال عبر مرافئ الحياة، إنها "هواجس في طقس الوطن". يقول فيها: قد جئت معتذرا ما في فمي خبرُ رجلاي أتعبها الترحالُ والسفرُ ملت يداي تباريحَ الأسى ووعت عيناي قاتلها ما خانها بصرُ إن جئتُ يا وطني هل فيك متسعٌ كي نستريحَ ويهمي فوقنا المطرُ وهل لصدرك أن يحنو فيمنحني وسادةً، حلمًا في قيظه شجرُ ومن الشعراء السعوديين الذين عرفوا بكتابة القصائد الوطنية: علي محمد صيقل من جزيرة فرسان بمنطقة جازان، وله ديوان عنوانه "أغنية للوطن"، وتحمل أول قصيدة في الديوان هذا العنوان، وهي أشهر قصيدة كتبها صيقل ودخلت المناهج الدراسية وغنّاها قبل ذلك محمد عمر وطارت شهرتها في الآفاق، وهي من أجمل ما كتب في الوطن من قصائد، يقول فيها: وَشْمٌ على ساعِدي نقشٌ على بَدَني وفي الفؤادِ وفي العينين يا وطني شمساً حملتك فوق الرأس فانسكبت مساحة ثرَّة الأضواء.. تغمرني قبَّلت فيك الثرى حباً.. وفوق فمي من اسمرار الثرى دفءٌ تملَّكَني وانداح في خافقي سحراً وتَرْنَمَةً وذكرياتٍ.. وآمالاً.. تضمّدني قصيدتي.. أنتَ.. منذ البدءِ لحّنها أجداديَ الشُّم، فانثالت إلى أذني ترنيمةً عذبةَ الألحان.. فامتزجت أنغامُها في دمي بالدفءِ تفعمني غنيتها للرمالِ السمرِ.. في شغفٍ وللصواري.. وللأمواجِ.. والسفنِ لنخلةٍ.. حينما أسْمعتها اندهشتْ تمايلتْ وانثنتْ نحوي توشوشني ما أروعَ اللحن.. قالتْ. هزني طرباً فغنِّ لي.. غنِّ إنّ اللحنَ أطربني ضممتُها.. إنها رمزُ العطاءِ.. وفي جذورها عروةٌ وُثقى تؤصّلني يا موطني.. إنني أهواكَ في ولهٍ يا نكهةً حلوة ًتنسابُ في بدني أقسمتُ باللهِ لن أنساكَ يا حلُمي فإنْ سلوْتُك هيِّئ لي إذنْ كفني ولن نستطيع الاستشهاد بكل قصيدة وطنية، ولكن من المهم تعداد أسماء الدواوين التي حملت اسم الوطن، ومنها إضافة إلى ما سبق: نقطة في تضاريس الوطن لإبراهيم العواجي، والأرض الوطن الحب الكبير لعلي بن أحمد النعمي، وأغنيات للوطن لحجاب بن يحيى الحازمي، ووطني عشقتك لمسلّم بن فريج العطوي، ووطني والفجر الباسم لعيسى جرابا، والوطن البعد الذي لا يقاس لظافر بن علي القرني، ووطني ومشاعر قلب لصالح بن سعيد الهنيدي، وبسملة على كثيب وطن لحسن عبده صميلي، وأنت الحقيقة يا وطن لمقعد بن عبيد السعدي، وغيرها من الدواوين. وثمة قصائد وطنية اكتسبت شهرة، ومنها قصيدة "يا صحراء" لغازي القصيبي رحمه الله، وفيها يقول: طفت الكون لم أعثر على أجدبَ من أرضك على أطهرَ من حبك أو أعنف من بغضك عدت إليك يا صحراء على وجهي رذاذ البحر وفي روحي سراب بكاء وطيف سابح في السحر وومض ضفيرة شقراء وفي شفتي بيتا شعر وأغنية بلا أصداء وهناك قصيدة وطنية لافتة في لغتها وتماسكها وجودتها، وهي "تلويحة للوطن" للشاعر عبدالعزيز العجلان من ديوانه "أشياء من ذات الليل"، وفيها يقول: ولي وطنٌ آليت أحضن تربه ويحضنني حتى تذوبَ القصائدُ أنا منه خلف البعد لحن مغامر يراوده شادٍ ويرويه عابدُ تطوف بي الآفاق أنأى مكابرًا وتطويه في قلبي ليالٍ رواكدُ وتستيقظ الرؤيا فأرتد فجأةً أكابد من أشواقه ما أكابدُ ونتوقف عند الشاعر عبدالله بن سليم الرشيد الذي خصّص جزءًا من ديوانه الأول "خاتمة البروق" الصادر قبل أكثر من ثلاثين سنة للوطن، وسمّى هذا الجزء "الوطن..وسر الانتماء"، وضم سبع قصائد، وكلها من القصائد الجياد في التعبير عن حب الوطن والانتماء إليه وإعلان حبه، ولعلي أتوقف عند قصيدته "أنت الكبرياء"، وفيها يقول: ويا وطني تمتدّ فينا قصيدةً من الوجدِ، والإجلالُ حولك هابطُ رأيتك خفّاقًا وفوقك رايةٌ نماها إلى عرشِ العلاء أراهطُ فأنت ائتلاقُ المكتين أضاءتا كهوفَ الدياجي والدمى تتساقطُ وأنت الغد الغافي على مجد أمسه ولا يُنكر التاريخَ إلا مغالطُ وأنت النجوم السامرات على المدى وأنت سكون البيد والليل هابطُ وفي كل عين أنت كون ٌمعظّمٌ فيا عجبًا كيف احتوتك الخرائطُ وإلى جانب الشعراء، أسهمت الشواعر السعوديات في الكتابة للوطن، و"نصوص الانتماء الوطني لدى الشاعرات تقتصر على الوطن بصفته دولة ذات حدود سياسية، وبصفته أيضًا أقاليم ومدنًا وقرى. وقد عاش بعضهن غربة حقيقية خارج الوطن" فكان ذلك محفزًا على الحديث عنه بشوق ولهفة، ومن أولئك الشاعرات اللاتي عشن غربة خارج الوطن لأسباب مختلفة الشاعرتان: ثريا العريّض وهيام حمّاد، تقول ثريا العريّض: كل وجودي أنت بكل جفافك كل الغبار فيك العيون التي سكنتني تُظل والوجوه التي سكبتْ بملامح وجهي انكاساتِ أشجانها لم تزل لك يا وطني لهفة الحب حين بأعماقنا يتمادى اشتياق النهار وتطفح أغنية من بقايا زمان عتيق روعة حلمًا لك أغنية الحزن أغنية السعد أغنية الأمل المتولد تحت الجفون أما هيام حماد فتقول: يا موطني أراك حمامة بيضاء تعانق السماء وفي شعاع الشمس يا حبيبنا أراك عاشقة يا وطني أتيت وغايتي هواك وهناك نصوص أخرى كثيرة لعدد من الشاعرات رصدها الدكتور فواز اللعبون في كتابه عن شعر المرأة السعودية وحلّلها. وليس ثمة شاعر سعودي ليس له قصيدة وطنية أو قصائد وطنية، ومن الشعراء المعاصرين: حسن الزهراني، وأحمد السالم، وعبدالله سالم الحميد، وعبدالله الدريهم، وخالد الخنين، وعيسى جرابا، ومحمد العطوي، وعبدالرحمن العتل، ومحمد الخليف، وغيرهم. أحمد الصالح عطا الله بن مسفر الجعيد حسن القرشي الدكتور محمد العيد الخطراوي عبدالله الصيخان أحمد قنديل أحمد بن إبراهيم الغزاوي حسين عرب غازي القصيبي