الأستاذ الشاعر الناثر المؤرخ المحقق الكاتب الموسوعي المفكر الباحث الجغرافي الشيخ عبدالله بن خميس عَلَم من أعلام الأدب الحديث في الجزيرة العربية، وشيخ من شيوخ الشعراء المعاصرين، ورائد من رواد النهضة الأدبية التي تزدهر ألوانها وفروعها في قلب الجزيرة العربية، وهو مع مكانته الاجتماعية والأدبية صحفي رائد ومبدع ومؤلف صدر له من قبل الكتب الآتية: 1- الشوارد (جزءان)، وهو مختارات أدبية. 2- الأدب الشعبي في جزيرة العرب، وهو دراسة أدبية. 3- المجاز بين اليمامة والحجاز، وهو دراسة جغرافية وتاريخية. 4- راشد الخلاوي، وهو دراسة أدبية لشاعر شعبي مشهور. 5- شهر في دمشق، وهو من أدب الرحلات. 6- معجم اليمامة (جزءان) وهو دراسة جغرافية وأدبية وتاريخية. 7- الدرعية العاصمة الأولى، وهو دراسة تاريخية وثائقية. 8- تاريخ اليمامة عن مغاني الديار وما لها من أخبار وآثار، وصل فيه إلى الجزء السابع، وهو دراسة موسوعية تاريخية محققة وموثقة واستقصائية لتاريخ اليمامة من كل الوجوه.. وغيرها من المؤلفات القيمة النفيسة ذات الموضوعية الجيدة. والأستاذ ابن خميس يتصدر الهيئات الأدبية والعلمية واللغوية في المملكة العربية السعودية وفي العالم العربي، وهو عضو في المجمع اللغوي بالقاهرة وغيره من المجامع العلمية، وقد وضعت عنه رسائل وبحوث جامعية عديدة منها رسالة ماجستير للباحث الأستاذ حمد بن عبدالله المنصور بعنوان (عبدالله بن خميس رائد الأدب الحديث بنجد) من جامعة الأزهر كلية اللغة العربية بالقاهرة عام 1391ه - 1971م، فلا ترى أحداً يؤرخ للأدب السعودي المعاصر إلا أن يكون ابن خميس في الصدارة وفي مقدمته. ويقص علينا الشاعر ابن خميس في صدر ديوانه (على ربى اليمامة) كيف أن علاقته بالشعر بدأت مبكرة، وكيف أنه أخذ عن والده حب الشعر وتذوقه والارتياح له والرغبة في إنشاده، وكيف أن محفوظاته منه كانت في صغره كبيرة ومن ثم بدأ في نظمه، فكانت محاولاته الأولى فيه وتلتها محاولات متدرجة، وإن كان نصيب هذه المحاولات كلها كان الوأد والنسيان. وندع هذه الجوانب إلى شاعرية ابن خميس وإلى ديوانه (على ربى اليمامة)، وهو حقيقة ديوانان في سفر واحد، وهما أصداء من قلب الجزيرة العربية؛ فهو ديوان قيم وثمين ويعد غرة في جبين الشعر السعودي المعاصر، وعلامة من علامات التطور الشعري الحديث، فسوف يذكر له هذا الديوان بعد أجيال وأجيال؛ لأنه ديوان العبقرية والشعر الجيد والإبداع الفني الرفيع. في هذا الديوان قصائد إسلامية، ووطنية، وقصائد عن فلسطين، وقصائد من باب الذكريات، وفيه بعض قصائد الاخوانيات، وقصائد من شعر الطبيعة، وقصائد وجدانية وأخرى متفرقة في موضوعات شتى منها وقفات في الربوع، وتحيات وعواطف ومراثٍ. وكل هذه القصائد من عيون الشعر العربي وأوابده، وأول ما يلاحظ على الديوان هو ما ذكره شاعرنا الكبير في مقدمة الديوان وهو اختلاف الديباجة بين قصائده لاختلاف زمان نظمها، وفي ذلك يقول الشاعر ابن خميس: (قد نجد قصيدتين متقاربتين في مكانهما من الديوان يضمهما غرض واحد، ومع ذلك تتفاوتان في الديباجة وتتباينان في الغرض، وتختلفان في الصورة؛ لأنني لم أميز في ترتيب هذا الديوان بين شعر التلمذة وشعر ما بعدها، ولا بين شعر قديم وجديد، ولكني سلكت الجميع في أغراضهما). ويتميز الديوان عامة بالوضوح والموسيقى الشعرية العذبة والصياغة العربية مع جمال الأداء وحلاوة التعبير وبلاغة التصوير.. ففي باب الوطنية ينظم الشاعر قصائد معبرة رفيعة المغزى جميلة التصوير، فلنستمع له في قصيدة جميلة رائعة بالديوان (عجبي من أمة) يقول في حفل تخريج ضباط الكلية الحربية بالرياض عام 1388ه: أنجبيهم من ثراك الطيب وانسبيهم لأبيٍ من أبي إن دعاه المجد لبَّى إنني عربي من صميم عربي شرفي في مدفع اسطوبه أو على قاصفة تمرح بي شرفي ما عشت أني مسلم نسبي هذا وهذا مذهبي ويرى الشاعر أن السيف والقوة هما الفاصلان في كل أمور الحياة، فيقول في القصيدة نفسها: يا أبا تمام قلها للألى أشبعونا بكلام مسهب ليس مثل السيف في إنبائه فخذوا بالسيف لا بالكتب وفي قصيدته الدرعية العاصمة السعودية الأولى: لها غابر من وارف المجد شافع وعونٌ من الفعل الجميل بدائع تسامت فمنها المكرمات نواطق وقالت وآذان الزمان سوامع أشارت إلى الدنيا بأصبع هيبة له الحق ردء والعقيدة وازع محامد شكري بالمعالي فكلها مداره في سمع النهى ومصاقع فللهدي ما يدعو إليه محمدٌ يقرره طوراً وطوراً يدافع ويحميه من عبث الغواة محمدٌ فيهدي إليه تارة ويقارع وبينهما قامت على العدل دولة تشير إليها بالخلود الأصابع أجادوا فنون الحرب من عهد تبَّعٍ كأن المنايا إن لقوها مراضع إذا سمعوا (العوجا) تداعوا كأنهم ظماء دعتها للورود شرائع هم القوم إن يدع الوفاءُ فإنهم ذووه وإن يدع الوغى فطلائع إلى الراية الخضراء تهفو قلوبهم لهم معمعان حولها وتدافع وفي قصيدته (يوم النصر) على أعداء الإسلام والعرب الصهاينة في العاشر من رمضان المبارك 1393ه يقول الشاعر: كانوا يظنون أنّا أمة عصفت بها الحزازات واستشرى بها الوغر وما دروا أننا والضاد تجمعنا في الأرض في الدم في الإسلام ننصهر أين المعاقل يا (بارليف) تحسبها درع السلامة ما التحصين ما الوزر يا موكب النصر كم أحييت من أمل له تأصل في نيل المنى وطر نفسي الفداء لفتيان ترافقهم قلوبنا فوق خط النار تبتدر باعوا نفوسهم لله وما وهنوا وما استكانوا فنعم الفتية الصبُرُ دم العروبة يذكيهم ويندبهم ألا اثأروا.. ومن الباغين قد ثأروا يا خالدٌ طب بهم نفساً وعم فرحاً واهنأ فعل الأحفاد يا عُمر واستبشروا قادة الإسلام يخلفكم فينا أولو العزم ما هانوا وما فتروا وعشت يا فاتح بالرشاش ناطقه حتى يعود إلى أصحابه الشجر وكذلك نجد روح الوطنية تنصهر في روح الإسلام والعروبة عند الشاعر مما نجده ممثلاً في مثل قصيدته (الصومال) الشقيق وقصيدته (في رحاب الأردن) وقصيدته (تحية الزبير) وفي النشيد الوطني الذي نظمه شاعرنا ابن خميس بناء على طلب وزارة الإعلام في بلادنا يقول الشاعر: أرضنا رينانة الأعطاف تبرا تمتري أكنافها شبراً فشبرا ويدانا تنضح العافين برا سنة الآباء جوداً بعد جود ومن قصيدته (جندي الحرس) يقول شاعرنا: راية الإسلام سودي واغلبي وتسامي في ذراك الأرحب واخفقي إنا لك الجند الأبي من صميم في صميم يعرُب ما حييت القدس لن أنسى جراحه أو يبيح الثأر يوماً من أباحه عصبة الطغيان أبناء الوقاحه لك يوم فانظريه وارقبي وفي قصيدته (عتاد الأمة) يدعو إلى العلم أساساً لبناء الأمة، ويدعو إلى القوة كذلك ما أجمل ما يقول: ليس الحياة كما توهم جاهل عيش الكفاف ومستوى محدودا كلا وليس الدين ان تدعيه أو أن تردد لفظه ترديدا الدين قاعدة الحياة جميعها ما كان أغلى لأبها وقيودا الدين كدح فيه إسعاد الورى الدين ان تسمو به وتسودا لهفي على الإسلام من متزمت جعل الديانة ذِلة وجمودا أو من شباب جاءه متأخرا بخلاعة يدعونها تجديدا وقصائده الفلسطينيات كثيرة وعديدة في الديوان، وهي تدعو إلى الأخذ بالحق العربي المهضوم واسترداد الوطن الإسلامي السليب. أما قصائد الذكريات فمنها قصيدة الشاعر (ابن زيدون) بمناسبة ذكرى مولده الألفية التي يقول فيها: (أبا الوليد) تحيات معطرة نجد العرف نزجيها قرابينا ففي (الرباط) لنا أهل ومرتبع بالدار دار وبالأهلين أهلونا ويحيي الشاعر بغداد حين زارها في مهرجان الشعر العربي المنعقد بها فيقول: بغداد يا معقل الفصحى أحييك طبت وطابت مدى الدنيا مغانيك ويحييها الشاعر كذلك فيقول من قصيدة أخرى له بعنوان (سر الهوى).. يقول في ختامها: وعاشت بلاد الرافدين عزيزة يعز على كيد العداة منيعها وفي مجال شعر الطبيعة نجد قصائده الرفافة: على ربى اليمامة، لهود اليمامة، في وادي ابن عمار، من وحي عسير، اليمامة والزرقاء وطويق، العيد في أبها، المارد الجبار، وقفة على سد جيزان.. وهي قصائد حافلة بروائع النظم وعذب القصيد وتحليق الخيال. أما قصائده الوجدانية: حنين، منى، مدى الحياة في يوم عيد، بلابل الروض، من أرسلك؟، يا ليتني غزلان سير (المصيف اللبناني المعروف).. فكلها تنبض بالحب، والحنين والجمال والعذوبة والرقة. ولنستمع إلى هذا النغم الجميل من قصيدة نجل العيون: سوف أعطي نجل العيون قيادي ما تجلى الجمال في شهرزاد ألهمتني يا طيب ما ألهمتني ألهمتني بحسنها إنشادي لم أعد أطلق الفريض بليلى أو بلبنى أو كوكب أو سعاد هذه هذه فإني بواد همت فيه والعاذلون بوادي لو أرادت لكنتُ منها أثيراً في ودادي وأيقظت إسعادي لا أطيق الوعود يوماً فيوما وعدٌ مطل يزيد في إبعادي انجزي الوعد فالحياة سراب كل يوم بشأن ناد تنادي قال ما قاله المنخل قبلي حينما لجَّ حبه في التمادي ان يفتني شرخ الشباب فإنني بقريضي أدركت أقصى مرادي أسحر الغادة اللعوب بفني ثم يأتي الجمال طوع قيادي فنجد فيضاً من عاطفة وجمالاً في التصوير وصدقاً في التعبير وبلاغة في الأداء، وهذه هي خصائص شاعرية الشاعر ابن خميس التي ينفرد بها عن غيره من الشعراء المعاصرين السعوديين الكلاسيكيين المحافظين على الشعر العمودي الأصيل المتميز بقوة السبك واشراق الديباجة وقوة النسيج وعذوبة المعنى وفصاحة القول وبلاغة الأسلوب وجمال التصوير وسلامة التعبير. وفي باب الاخوانيات يكتب الشاعر إلى الأستاذ محمود شاكر في زيارته للرياض شعراً يقول في مطلعه: لا أملك القول انصافا وتجسيدا كيما أو فيه تقريظاً وتمجيدا لك البراعة يا محمود مشرعة والمقول الذرب مرهوبا ومودودا قف باليمامة يا محمود مدكراً واستلهم المجد مقروءا ومشهودا وفي قصيدة يقول فيها بعد حولية طويلة ألقاها الشاعر محمد علي السنوسي: قادني الشوق نحوهم غير وان لأذيب الولا على انقائه ولأهدى من شيخ نجد نسيمات ومن صباه إلى صبيائه ولنلقى رب الندى والقوافي ملهم الشعر رجزه وحدائه من دعاه العلا مشوقا أبا زيد ومن رمى إلى جوزائه وفي باب المداعبات تقرأ قصيدته (سعيت وما أجدى) وهي موجهة إلى الشاعر الأستاذ (الغزالي حرب) كما تقرأ قصيدة (وقال حبيب). وفي باب المراثي نقرأ مرثيته البديعة (في الخالدين يا أبا حسن) وهي في رثاء الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، وقد توفي في عام 1395ه، وقصيدته (كوكب غار ضوؤه) وهي في رثاء الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ ومطلعها: سل العلم عن أحباره وفحوله وقف بي على آثاره وطوله وأما في باب المتفرقات فنرى قصيدته الجميلة (الفن والحياة) وقصيدته (لغة الفضول)، وقصيدته (الأم مدرسة).. إلى قصائد أخرى مثل تحية للنشء، ستبقى عزتي، حنانيك، تمضي الليالي، والديوان على ربى اليمامة صيحة شاعر يهجر بالشعر بالفن ينشد للحياة للأمة للوطن للإسلام للعروبة أناشيد الصحوة والإرشاد والتوجيه والدعوة إلى الخير والعزة والكرامة والإباء واليقظة والمجد. ان الشاعر عبدالله بن خميس بهذا الديوان الجليل ليحتل في الشعر الحديث والمعاصر أسمى مكانة وأرفع منزلة وأعلى مقام، فمن يقرأ ديوانه يقول الحق وبصدق وبإخلاص: لقد قرأت شعرا. ومن يستمع إليه يقول عنه يقينا: لقد سمعت شعرا.. فهذه الشاعرية الأصيلة الفياضة المتدفقة هي نبض من الشعور الحي والإحساس الدافق والوجدان الصادق والإلهام السامي.. انها فيض من صدق الكلمة وجمالها وجلالها. واني لأحيي هذا الديوان وأحيي صاحبه وأحيي فيه الشعر الأصيل الذي يثرى أدبنا وشعرنا العربي والسعودي المعاصر إلى أبعد حدود الثراء.. وحيا الله الطريق الذي نهجه شاعر (على ربى اليمامة)؛ فإنه طريق الشعراء الأصلاء الخالدين الموهوبين.