يستمر الذكاء الاصطناعي في اختراق مختلف المجالات بما فيها الأدب والنقد، مما يثير تساؤلات حول تأثيره على الإبداع الأدبي وقدرته على تقديم نقدٍ جاد. في هذا التحقيق، نناقش آراء عدد من المثقفين والنقاد حول هذه التحولات، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الدراسات النقدية، من الإيجابيات إلى السلبيات. "بين الحذر والتفاؤل" يرى الدكتور أحمد هروبي أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي في مجال النقد يتطلب تفاؤلاً حذراً، حيث يوضح أن الذكاء الاصطناعي قد أصبح جزءاً من الحياة، بما في ذلك الأدب. ومع ذلك، لا يزال يعتقد أن القدرة البشرية على الإبداع تتفوق على قدرات الذكاء الاصطناعي، خاصة في تجسيد العاطفة والحرية الفنية. ويضيف: "المتأمل في واقع الذكاء الاصطناعي سيدرك حتماً أن هذا الذكاء طموح جداً، وأنه قد غزا كل مناحي الحياة، وإذا سلمنا أنه بات قادراً على صناعة نصوص إبداعية، في زمن قصير جداً، فإننا في المقابل سنسلم وإلى حد كبير بقدرته على مراعاة المحكات والمعايير الأدبية إلى حد ما، على الأقل في الوقت الراهن، بمعنى أن علينا أن نبقي الأبواب مشرعة لنستقبل تلك التغيرات، وإن ظلت القدرة البشرية من وجهة نظري الشخصية هي الأجدر والأقوى في صناعة الإبداع، وتجسيد العاطفة وتوظيف الرمز والانطلاق بحرية". وزاد قائلاً: قد يبدو الأمر أكثر تعقيداً في الدراسات النقدية، ومع ما قدمه الذكاء الاصطناعي من تجارب في تحليل النصوص، إلا أنه من السابق لأوانه الحديث عن نضوج التجربة والتعويل عليها تعويلاً مطلقاً. ومع ذلك، يجب علينا أن نوسع دائرة التوقع، فالذكاء الاصطناعي يحضر بقوة، ولا يمكن التنبوء بما قد يحدثه من ثورة هائلة في تعاطيه مع النصوص الأدبية، وقدرته على التلقي، وتقديم قراءات قد توصف مع الأيام بأنها مدهشة وعظيمة، وكاسرة لأفق التوقع". "غياب الحسّ الإبداعي" تصف الدكتورة رانية العرضاوي الأدب الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي بأنه خاوٍ من الروح الأدبية، مع غياب واضح للخيال. وتضيف أن الإبداع الأدبي البشري، مع ما يميزه من ملكة الخيال والابتكار، لا يزال يتفوق على الذكاء الاصطناعي الذي يعيد إنتاج ما هو موجود دون إضافة جوهرية. وتضيف: من جهة أخرى، يغدو الذكاء الاصطناعي اليوم بوابة لعالم موازٍ يتمثل فيما أسميه بالأدب الذكي، إذ عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن للآلة أن تنتج أدباً، لكنه مازال خاوياً من الروح الأدبية، وركيكاً بشكل ملحوظ، خاصة ما أنتج باللغة العربية، فما رأيته لم يتجاوز إعادة تشكيل لمدخلات أدبية دون تمييز حقيقي لمعنى الأدبية والخيال. وهو ما يشي بتفوق العقل الأدبي البشري حتى الآن على الآلة، وبالتالي النقد الذكي بعيد الولادة حتى الآن. وإن كان عبر هذه التقنيات المتقدمة فرصة للمبدعين في تطوير لغتهم وتغذية ثقافتهم مع بقاء شرط الأخلاقية. وحقيقة الأمر، لو اعتمد المبدع على الذكاء الاصطناعي وحده فسيخسر أهم ما يميزه وهو ملكة الخيال والابتكار، وهذه الملكة هي ما يحقق الوجود الإبداعي البشري ويحفظ استمرارية التدفق الثقافي وتنوعه. لهذا أعتقد أن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي مسألة منوطة بذكاء الإنسان بداية وفطنته بين يدي الآلة التي هي هبة ينبغي توظيفها إيجابياً دون التخلي عن الإنسان وإنسانيته بكل ما فيها". "هواجس الناقد الروبوتي" يؤكد الدكتور عادل خميس أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح أداة نافعة للناقد الحصيف، ولكن يحذر من أن الاعتماد الكلي عليه قد يحول الباحث إلى آلة كسولة. ويرى أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل البيانات الكبيرة، مما يجعله عاجزاً عن تقديم نقد إبداعي حقيقي يضاهي النقد البشري. وأضاف: "لنركز هنا على صفتين في عبارتي؛ أعني (الحصيف)، و(الجاد)؛ فالحصافة تعني أن يكون الناقد ذكياً ليعلم طبيعة العالم الذي يدلف إليه ومنزلقاته، والجدية تعني ألا يتحول الباحث إلى مجرد أداة كسولة تأخذ ما يقدم لها دون تمحيص أو فحص أو إجادة. عالم الذكاء الاصطناعي كما نعرفه حتى الآن عالم لساني (ألسني)، يعتمد على (الهيوج داتا) وتحليلها تقنياً، لا عالم تجريبي، يعتمد على الفحص والتمحيص والتدقيق. كما نمر الآن في مرحلة مهمة من مراحل التطور التقني، لخصتها في كتابي (متاهة الأزلي) في (الانتقال من الروبوت الاجتماعي إلى الروبوت الإبداعي)، حيث انتقل اهتمام الباحثين مؤخراً لقضايا التفاعل الروبوتي مع الواقع والمجتمعات - ومستقبلها في هذا العالم، بعد الاعتراف بالروبوتات وقبولها واقعاً". وختم قائلاً: "حاول الخطاب ما بعد الإنسانوي النظر في الإمكانات الفكرية والعاطفية المتاحة لغير الإنسان في هذا الكون الفسيح، وحين أصبحت التكنولوجيا اللاعب الأبرز، حضرت النظرية لتدرس مدى إمكانية تعاطيها مع منتجات الثقافة الإنسانية نشراً وتفاعلاً وإسهاماً في الإنتاج. مؤخراً دخلت التكنولوجيا إلى عالم الأدب بقوة، وتطور الذكاء الاصطناعي لينتج برامج وتقنيات مختلفة تسهم في تأليف ودراسة الأدب (شعراً وسرداً) والتفاعل عاطفياً مع الإنسان. لكن لا بد أن نضع في البال دوماً، أن خطاب الذكاء الاصطناعي يعكس صورة عن وعينا حتى الآن، يستخدم لغتنا، ويستعير مخيلتنا، ليعبر عن مخاوفنا وأحلامنا، بطريقة تتفوق علينا أحياناً (الآن في السرعة والكم على الأقل). عدا ذلك، حين نتحدث عن اختلاف جذري، فليس لي إلا أن أفكر في العبارة المنسوبة لفتنقشتاين: (لو استطاع أن يتحدث الأسد، فلن نستطيع فهمه على الأرجح). كما أفكر في الكائنات الفضائية في الأفلام، حين تهجم على الأرض، بلغتها وثقافتها وتاريخها وأجندتها الخاصة؛ أجندتها التي عادة ما تكون خلافَتنا في هذه الأرض، والتخلص منا نحن البشر، جراء ما فعلناه من أذى للطبيعة وساكنيها". د. أحمد هروبي د. عادل الزهراني د. رانية العرضاوي