منذ بداية ثورة الذكاء الاصطناعي، والجدل حول المخاطر الناجمة عن هذه التكنولوجيا أصبح ذا طابع مستمر. ومع تصاعد الدعوات لوضع قوانين منظمة تقي الفرد والمجتمعات من تأثيراتها الضارة، يتسارع التحذير الذي يطلقه قادة الصناعة التكنولوجية بشكل يومي، خاصة فيما يتعلق بمخاطر سيطرة الذكاء الاصطناعي على حياة البشر في ظل غياب إطار قانوني منظم يحقق الاطمئنان. لا شك أن العبارة الصادمة التي صاغها مدير تنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي "سول ماشينس"، غريغ كروس، حول "أن الذكاء الاصطناعي يأكل العالم حرفيًا"، ستظل محط اهتمام وتداول حتى يتم التوصل إلى اتفاق يحدد قوانين لتنظيم استخدام هذه التكنولوجيا، فوفقًا لاستطلاع أجري مؤخراً، يظهر أن حوالي 50 في المئة من الأميركيين يشعرون بالقلق إزاء تأثيرات الذكاء الاصطناعي على أماكن عملهم، مع ارتفاع نسبة القلق بشكل خاص بين الشبان لتصل إلى 57 في المئة، كل الذين حذروا من سوء استخدام الذكاء الاصطناعي لم يطالبوا بالتخلص من هذه التكنولوجيا، لسبب بسيط، إذ يعلم الجميع أن التخلص منها يعتبر مستحيلاً، وكذلك استعادة الجني المفرج عنه بعد خروجه من الزجاجة. هم حذروا من مساوئ الذكاء الاصطناعي وطلبوا التريث والتمهل وعدم الاندفاع في طريق مجهول، قبل التأكد من اتخاذ إجراءات السلامة. تطرح هذه النقاشات الخطيرة سؤالًا ملحًا حول المستقبل الذي قد ينتظر البشرية في حالة استسلامها لقيادة روبوتات الدردشة، القادرة على رسم لوحات فنية وكتابة أعمال أدبية وموسيقية، وحتى التفكير نيابة عن الإنسان. يستكشف هذا التقرير آراء كتّاب وفنانين تشكيليين متباينة حول هذا الموضوع المعقد. مخلوق غير عاقل في بادئ الأمر، أشار الدكتور زيد الفضيل إلى أهمية الذكاء الاصطناعي كتقدم للعقل البشري، مؤكدًا على ضرورة التوخي الحذر بسبب خطورته. على الرغم من الفوائد المحتملة، حذر من أن الاعتماد المفرط على هذه التكنولوجيا قد يؤدي إلى فقدان لمسة الإبداع وتمايز الفرد. وفي سياق آخر، أوضح أن الذكاء الاصطناعي، ككائن غير عاقل، يعتمد على البرمجة والمعالجة الحاسوبية، مما يجعله عرضة للتلاعب والتشويش، وبالتالي يمكن أن يقوم بتقديم محتوى يتفق مع تلك التداخلات، مما يعرض المجتمع لخطر تشويش العقول وتقليص المشاعر. وختم الفضيل بتحذير من اندماج البشر مع تلك التقنية، متنبهًا إلى أنه قد يؤدي إلى فقدان الابتكار وتميز الطابع الإنساني، وبالتالي قد يتحول المحتوى الكتابي إلى شكل روتيني وخالٍ من العواطف، ما يهدد بتقليص الروحانية والاتصال الإنساني. أمراً حتميّاً أكد الفنان عبدالعظيم محمد الضامن أن الذكاء الاصطناعي لن يكون بديلاً للعقل البشري في ميادين الفنون والآداب، مشيرًا إلى حاجة الإبداع البشري إلى المهارة والتفرد. وفي سياق الفن، أثارت تساؤلاته حول الفنان الحقيقي عند استخدام الذكاء الاصطناعي في إبداع اللوحات، متسائلاً عمن يُنسب لها وهل تكون ملكًا للفنان أم للبرنامج؟ وتمحورت تنبؤاته حول الأدب والتراث حينما أشار إلى المسؤولية الإنسانية في حال تقديم معلومات خاطئة أو إخفاق بالتقدير التاريخي، متسائلاً عن المسؤولية: هل نحاسب الإنسان أم البرمجة؟ وفي سياق العلم، طرح تساؤلًا هامًا حول من يستحق الدرجات العلمية في حال استخدام الذكاء الاصطناعي. وختم بتأكيد على أن بقاء الإبداع البشري وتميزه يعتمدان على قدرة الإنسان على التفاعل مع التكنولوجيا، وأن الإبداع الفني سيظل مرتبطًا بتفرد العقل البشري وقدرته على التجسيد الفني الفريد والتأثير في مجتمعه. إحياء التراث قال الكاتب أسامة سليمان الفليح إنه لا يتوقع وجود مخاطر تأثير سلبي على الأدب أو الفن جراء استخدام التكنولوجيا، وأكد أن الذكاء الاصطناعي يمثل إضافة إيجابية حيث يعزز التجارب الفنية ويعيد إحياء شخصيات وأصوات من التراث العربي. وأشار إلى أن الإنسان له الدور الأساسي في هذا التقدم التكنولوجي، مؤكدًا على أنه لولا تواجد الإنسان لما كان هناك هذا التطور السريع. وفي تساؤله حول مستقبل البشرية في حالة استسلام القيادة للتكنولوجيا، أشار إلى أهمية بقاء بصمة الإنسان في الإبداع التكنولوجي. وقال: "أي مستقبل للبشرية إذا ما أخذت الروبوتات دورًا إبداعيًا دون وجود بصمة إنسانية؟" وأكد أن الرغبة البشرية في الإبداع ستظل حاضرة، وأن النتائج التي نراها اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت لا تعكس الواقع المتوقع. مأزق الارتباك وعدم الفهم أوضح الناقد الأدبي محمد الحميدي أن القلق من تأثيرات الذكاء الاصطناعي يمتد إلى جميع جوانب الحياة، ولكن يتفاوت تأثيره حسب المجال، حيث ترتفع نسبة الاستفادة في ميادين مثل الهندسة والطب، بينما تتناقص في العلوم الإنسانية مثل الشعر والرواية. وفي هذا السياق، ألمح إلى أن أي تغيير في الحياة ينعكس على العلوم والفنون، مما يضع الذكاء الاصطناعي في مأزق عدم الفهم والارتباك. وأكد الحميدي على تمايز كل مجتمع وخصوصيته، حيث يمكن أن يكون الأحداث المحيطة محفزًا لتطور الآداب والفنون، مثل تكوّن تيارات مثل الزهد أو وصف الطبيعة. وأشار إلى نقطة هامة حول نقص الوعي الإنساني في الذكاء الاصطناعي، حيث يفتقد للخبرة والقدرة على التعايش، على الرغم من امتلاكه للغة والصياغة. وفي هذا السياق، ركز على مأزق الذكاء الاصطناعي، حيث يمكنه التعبير باللغة، لكنه يعاني من نقص في القدرة على صياغة أدب يحمل الأثر والتأثير. عبدالعظيم الضامن أسامة الفليح محمد الحميدي