عموم الشعراء حريصون على تمام القصيدة، سبكها، حبكها، وزنها واختيار مفرداتها والمعاني بكل ما لديهم من خبرات وقدرات، وما التقصير في هذا إلا من سبب مناسبة أو أمر غير مقصود. كل الشعراء يهمهم قبول قصائدهم من المتلقي ويتطلعون إلى سماع صدى الإعجاب و الإشادة والقبول. والشاعر لا يخاطب الفضاء، وقل أن يوجه شعره لنفسه وفي خلوته، ولهذا كان على الشاعر من ذلك الاهتمام بالمتلقي قيد، وهذا القيد جميل، فهو ضابط يرسم له حدودا ترفع من النتائج. إذا هذه كلها من المسلمات، ولا جديد في ذلك، فليس هناك شاعر بمعنى هذه التسمية والوصف والمكانة إلا وهو حريص على المنتج الذي ينتمي إليه، فلا يكون فيه ثقل ولا كسر، ولا يسطو هو على معنى ولا بيت مسبوق عليه إلا أن يشير إليه، ولا توصف قصيدته بالضعف ولا ينسب له ما لم يقله، يترفع عن السطو ولا يرضى أن يسلب منه شيء.. وهنا يرد سؤال وهو: لماذا والحالة تلك والأمر له أهميته الكبيرة عند الشعراء توجد قصائد موصوفة بالضعف في معانيها، والضعف في تراكيبها، والهزال في مفرداتها، يحجم عنها الرواة، ويمتنع عن حفظها وتناقلها المتلقي، ولا تقال في مجالس ولا ينشدها أحد في المحافل. ولماذا يوجد عكس مراد بعض الشعراء فيما يروى وفيها ينشر عنهم؟ أليست قصائد ومن شعراء يشار إليهم بالبنان، ولهم مكانتهم أحيانا وحضورهم في الذاكرة فلماذا يلحقون الضرر بمنتجهم الشعري؟ والجواب من واقع: لأن الشاعر بشر يخطئ ويصيب، فبعضهم يخطئ حتى على نفسه وعلى غيره، وقد تأخذه الرغبة في التعبير عن مشاعر وأحاسيس في زمن ما وجمع صغر أو كبر، أو بالفعل قلل من قدر المتلقي، فيقول أبياتا وقصائد تتضمن قبح المعاني والألفاظ، لكنه لم يرد لها أن تخرج من دائرته الصغيرة، ولا عرف أن عواصف النقل سترمي بها في الآفاق أمام السمع والأبصار، فهو ما أرادها إلا هزلية ولا وجهها إلا لزوايا مخفية قصية، أو هي أبيات جاءت من شعوره فانساق وراء غفلة عن نتائج قريبة أو بعيدة، فيكون قد انحدر بشعره كله أو بعضه وهو يدري أو لا يدري. ونختار هنا نماذج من جميل القصائد والأبيات والذائقة التي تلامس شعور المتلقي ورقي المعاني، ولو تتسع المساحة لأوردنا الكثير: يقول الشاعر: سعد مطلق يقوم مع هقوات الايام ويطيح وعجزت متاهات الفقر تستبيحه يرد جوعه لاكفر به بتسبيح ولا شاف عابر درب يشحذ ذبيحة اكبر عيوبه لا عذلته بتلميح تنزل دموعه لا سمع له نصيحة فقري وعودها على هبت الريح ويلاوي يدين الزمان الشحيحة يقول الشاعر: علي المحنشي اغسل يدينك من قليل المروّة واحذف وجوده من حياتك ودنياك خلّك مع اللي يقدّرون الأخوّة ان طحت هبّوا مع يسارك ويمناك ولَمّ الشمل يصنع من الضّعف قوّة وكن صادق النّية بسرك ونجواك واللي تشوفه صح ومفيد سوّه ودينك على الدنيا مفازك ومنجاك ويقول الشاعر: عايد بن ضلعان لايمي في عزلتي مالك ومالي كانها غلطة عواقبها عليه البشر تخطي وانا ماني مثالي لي عيوب ولي طموح ولي هوية ما معي في رحلتي غير ابتهالي مقتفيني هم واتبع لي وصية واقعي والواقعي يصبح خيالي في زمان ٍ مايحب الواقعية ويقول الشاعر: سعود المقاطي (أخير منها ركعتين بالأسحار لا طاب نوم اللي حياته خسارة) قد قالها تركي ومن باب تذكار لأهل النفوس اللي تحبّ الصدارة صلّوا صلاة موادع شاف الأخطار وادعو دعا منهو مطوّل حصاره ما يكشف الغمّة تناكيت واشعار تكشف بتوبة والدعاء والطهارة ويقول الشاعر مخلف بن علي الوهبي: لاراح يانايف من الليل ثلثين كب الجلوس اللي على غير حاجة مالك ومال الناس نوما وصاحين وضْ وتهجد سنةٍ بابتهاجة صل الوتر وحده مع الشفع ثنتين وارفع يديك لخالق الكون ناجه قدمت لك باقة نصيحة ببيتين واللي مثل شرواك يعرف خراجه ويقول الشاعر ناصر الشهابله: هاجسي ما كل نسناس ٍيجيبك وما يميّلك الهوا ميل الغصون مدْحة الطيّب تراها ما تعيبك ما هو بشرط يمون أو مايمون أتْرك مريبك إلى مالا يريبك وأعطني جزل القصيد ولا تهون يالبيب الراي فزعاتك وطيبك خلها في الأقربون الأقربون كان ماطيبك يماري به قريبك إدْر مَ أنت بطيّب ولا يحزنون مخلف الوهبي علي المحنشي عايد بن ضلعان سعود المقاطي سعد مطلق