تابع العالم عام 1995 عملية انتقال اتفاقية الجات إلى منظمة التجارة العالمية، بعد مفاوضات ونقاشات جولة الأوروغواي التي تم التوصل خلالها إلى وضع الأسس لقيام نظام تجاري عالمي جديد مبني على حرية التجارة وإزالة التعرفات الجمركية بين كافة أعضائه. وفي تلك الأعوام الخالية بعد الإعلان عن قيام المنظمة كانت أصوات المروجين لها ترتفع وتملأ الفضاء الإعلامي العالمي، بأن الحدود التجارية بين بلدان العالم سوف تزول، وأن سلطة الدولة سوف تتقلص لتكون الكلمة العليا للشركات التي سوف تنظم التبادل التجاري عبر الحدود العالمية المفتوحة لتدفق السلع والخدمات دون رسوم جمركية. وقتها وضع المؤسسون لمنظمة التجارة العالمية، والتي صاروا يطلقون عليها "نادي النخبة"، شروط الانضمام إلى هذه المنظمة، وهي شروط مجحفة، بحيث تجبر البلدان الراغبة في الانضمام إلى هذا النادي الاصطفاف طوابير لأعوام عدة من أجل السماح لها بالعضوية، ولذلك انتظرت المملكة والصين وغيرها من الدول أعواماً طويلة قبل دخولها منظمة التجارة العالمية. وكانت، ما صار يطلق عليه النقاشات الثنائية Bilateral negotiation، هي الفلتر الذي لابد أن تمر عبره كل دولة، قبل أن يسمح لها بأن تصبح واحدة من أعضاء "نادي النخبة". وهذا الإجراء المجحف وضع من أجل فرض الشروط وإزالة كل العقبات التي تقف دون كامل استفادة الدولة المفاوضة من التجارة مع الدولة التي يتم التفاوض معها للانضمام. ولكن ومثلما نرى، فإن السحر انقلب على الساحر. فالميز النسبية، أي الجودة والسعر، للبضائع الصينية قد ارتفع الطلب عليها في كافة انحاء العالم، بحيث أصبحت الصين أكبر دولة من حيث حجم التجارة الخارجية. وهذا يعني أن العالم أصبح يشتري بضائع صينية أكثر مما يشتري بضائع أميركية أو أوروبية. بل إن أسواق هذه الدول أصبحت هي أهم الأسواق للصادرات الصينية. ولذلك قررت الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي رفع رسومها الجمركية على البضائع الصينية. وهذه الرسوم سوف تصل إلى 100 % على السيارات الكهربائية و50 % على الخلايا الشمسية و25 % على الصلب والألمنيوم وبطاريات السيارات الكهربائية والمعادن الرئيسية، حيث سيتم العمل بها ابتداء من27 سبتمبر المقبل، كما فرضت رسوماً أخرى سوف تطبق بداية 2025. كذلك فإن الاتحاد الأوربي هو الآخر قد رفع تعرفته الجمركية على العديد من السلع الصينية. وهذا بالتأكيد سوف يواجه برد صيني وفرض رسوم جمركية مماثلة على البضائع الأميركية والأوروبية. ولذلك، فإن السؤال الذي يثار هنا هو حول دور ومكانة منظمة التجارة العالمية التي أجبرت الصين على التفاوض معها أو بالأصح مع أعضائها السابقين، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي 15 عامًا قبل أن يتم قبولها في هذه المنظمة.