لاحظ المدير العام على موظف متميز ملامح التعب وسلوكا عصبيا على غير المعتاد.. اجتمع به المدير، سأله بداية عن أحواله الشخصية فاتضح أن أحد أقارب الموظف يمر بظروف صحية صعبة، ثم سأله المدير عن أحواله في العمل والمهام التي يقوم بها وهل يواجه أي مشكلات؟. هذا الموظف متميز فعلا لأنه يعمل بإخلاص ولساعات طويلة تتجاوز ساعات العمل الرسمية دون أن يطالب بمقابل للساعات الإضافية، مهامه فنية خدمية تخدم كل الإدارات، الكل يبحث عنه والكل ينتظر التجاوب السريع وهو أيضا مهمته إرضاء الجميع، ويصعب عليه أن يستخدم كلمة (لا)، فعلاقته بهذه الكلمة علاقة سلبية. المدير العام تفاجأ بكثرة مهام هذا الموظف كما تفاجأ أن الإدارة التي يعمل فيها -رغم حجم وأهمية مهامها- ليس فيها غير هذا الموظف وزميل آخر، وأن معظم العمل يقوم به هذا الموظف المتميز بإخلاصه وتعامله الإيجابي مع الجميع. المفاجأة الأخرى أن هذا الموظف المتميز لم يأخذ إجازة منذ مدة طويلة لأن العمل سيتوقف في حال غيابه، وهذا ما حصل فعلا عندما تغيب الموظف ليوم واحد بسبب ظروف عائلية، مدير الإدارة لا ينقل الصورة للمدير العام لأنه سيدين نفسه، لكن الأمر وصل إلى المدير العام فكان هذا سببا للاجتماع المشار إليه للمدير العام بهذا الموظف المتميز. طلب منه المدير العام أن يأخذ إجازة، تردد الموظف لكن المدير أصر على طلبه وقال له هذا قرار وليس اقتراحا. سنرى ماذا يحصل في غيابك، سنختبر قدرات مدير الإدارة وقدرات زميلك وسلوكه، وقبل كل شيء وهو الأهم صحتك وأسرتك ولهما الأولوية، إجازتك ستفيدك أولا وهذا مهم جدا، كما أنك ستفيدنا حتى في غيابك فأنت معطاء كما سمعت عنك. هنا حالة إدارية تطرح الكثير من الأسئلة حول بيئة العمل، ودور مدير الإدارة ومدى متابعته لما يدور في الإدارة، أسئلة حول تقييم الأداء، والعدالة في توزيع المهام، واستغلال بعض الموظفين لحيوية زملائهم، استغلال قد يصل حد السخرية، وهي لا تصدر إلا من موظفين غير مخلصين ومهامهم محصورة في الحضور الشكلي والمغادرة المبكرة والثرثرة السلبية المحبطة التي تجعلهم يسخرون من زميل متميز مخلص في غياب إداري يتابع ويقيم ويحقق العدالة، وفجوة واضحة بين مدير الإدارة والمدير العام.
