في جلسة خاصة بموظفي الشركة، محاطاً بالإضاءات الخافتة، سرب حديث الرئيس التنفيذي لخدمات الإنترنت بأمازون عن مستقبل تطوير البرمجيات. في غضون سنتين، يتوقع مات جارمون، أن يستبدل الذكاء الاصطناعي المبرمجين، ناصحاً الجيل الجديد من مطوري البرمجيات البحث عن مهارات جديدة أكثر ملاءمة لمستقبل سوق العمل. ليس هذا التعليق جديداً من الذين يستشرفون مستقبل التقنية، إنما الجديد أنه صادر من قائد لأكبر شركات التقنية في العالم مما يوحي بالتوجه الاستراتيجي للقطاع. يرى مات جارمون أن تطوير البرمجيات كما هي الممارسة اليوم ليس مهارة، وأن على مطوري البرمجيات أن يمارسوا أعمالاً أكثر صعوبة وأهمية كالابتكار والتصميم. يأتي تعليقه متماشياً مع موجة التفاؤل الكبير التي تعم الأجواء حالياً، حيث يسارع الجميع بطرح رؤيتهم للمستقبل الذي يتفاوت في واقعيته تفاؤلاً أو تشاؤماً. سواء كان التحول القادم مدفوعاً بالذكاء الاصطناعي وحده، أو مع غيره، فبوادر التحول في صناعة البرمجيات أصبحت أكثر وضوحاً مما سبق. اعتباراً من 2023 يقدر عدد المبرمجين في العالم نحو 26,9 مليون، مع توقعات بأن يتجاوز هذا العدد 45 مليون بحلول عام 2030. هذا النمو مدفوع بالطلب المتزايد على البرمجيات في جميع الصناعات، حيث تخضع الشركات للتحول الرقمي وتستثمر بكثافة في التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والأمن السيبراني. رغم التوقع بزيادة المطورين، تشير العديد من الدراسات إلى نقص في المبرمجين، حيث يتوقع أن تواجه الولاياتالمتحدة مثلا نقصاً قدره 1,2 مليون مطور بحلول عام 2026. تبدو توقعات جارمون جريئة، حيث إن كثيراً من المراقبين يشككون في قدرة الذكاء الاصطناعي بتلبية الطموحات التي علقت عليه في غياب النماذج الاقتصادية الناجحة. إنما تصور هذه الطموحات الحاجة التي لم يعبر عنها نتيجة للضيق من منهج التطوير التقليدي في غياب حلول جديدة تعالج المشكلة من جذورها. فإلى متى يستمر تطوير البرمجيات في عصرنا الحاضر بمنهجية ما قبل الثورة الصناعية، حيث يجلس آلاف المطورين في مبنى كبير ينسجون التطبيقات والمنتجات البرمجيات سطراً سطراً كما يفعل عمال النسيج في القرن السابع عشر؟ الرؤية واضحة إنما الإطار الزمني لا يبدو واقعياً، حيث ليس من المعقول أن تتحول صناعة البرمجيات بهذه السرعة. لكن هل يعبر هذا التوقع عن إرادة حقيقية لدى أمازون لقيادة هذا التحول الكبير؟ ربما، إنما إذا نظرنا إلى منجزات أمازون في الذكاء الاصطناعي، فلن نجد ما يشجعنا كثيراً. التقنيات الأخرى لتحقيق هذا التحول خارج الذكاء الاصطناعي موجودة، ليس في العالم فقط إنما في المملكة أيضاً، لكن الرؤية والإرادة لقيادة هذا التحول لم تبلغ الذروة بعد. متى توفرت الرؤية مع القيادة، سيكون أمامنا عقد مثير من التحول التاريخي في صناعة البرمجيات لتكون المحرك الرئيس للثورة الصناعية الرابعة.