الأغنياء الجدد في الخليج والمجتمعات العربية يتشاركون في سمات معينة، فهم في الغالب ينحدرون من خلفيات فقيرة ومتوسطة، ويهتمون كثيرًا باستعراض الثروة، عن طريق الماركات التجارية مرتفعة القيمة، ويتعمدون إظهارها في أماكن بارزة، يراها كل أحد، ومعها السيارات الفارهة والملابس الغريبة والصارخة في ألوانها، وبأسلوب الفنان الراحل شعبان عبدالرحيم، ويمكن تجاوزاً تصنيفهم كمصابين ب(متلازمة شعبولا).. توجد أدلة علمية تؤكد أن الماركات العالمية، تعطي أصحابها أوزانا اجتماعية واقتصادية، وأنها تمارس سلطتها على نفسياتهم، وعلى نظرتهم وتقديرهم لغيرهم، فقد قامت دراسة أميركية أجريت مؤخرا بإعطاء مجموعة من لاعبي الغولف مضارب تحمل شعار ماركة معروفة، في مقابل آخرون أعطوا مضارب بلا شعار، وكانت النتيجة أن المجموعة الأولى تحسن أداؤها بنسبة 20 %، وفي دراسة أجريت عام 2010 اتضح أن العوائل الفقيرة تنفق جزءا كبيرا من دخلها على سلع لا تحتاجها، والسبب رغبتها في إبهار الآخرين وفي الاستعراض، وفي استخدامها كرافعة اجتماعية لطبقات أعلى، لأن المنتجات عالية القيمة تمنح تقديرا أكبر للشخص الذي يمتلكها، وخصوصا النوع الذي يسميه علماء الاقتصاد ب(سلع فيبلين). الاهتمام بالمظهر في دول الخليج بما فيها المملكة، يبدو سلوكا اجتماعيا متداولا، يحمل في داخله لغة كاملة، تنقل هوية الشخص وطبقته الاجتماعية وملاءته المالية، وأنه صاحب خبرة وكفاءة، ولو لم يكن كل ذلك حقيقة، وهذه السلوكيات ظاهرة جداً، وبالأخص في إجازة الصيف، ومن أشكالها المعتادة؛ الاستعراض بقيادة السيارات الفخمة في شوارع أوروبا، وباللوحات المحلية للدول الخليجية، والحرص على نشر الأنشطة الاستهلاكية والممتلكات الشخصية، في منصات السوشال ميديا، وهؤلاء يقدرون أنفسهم بشكل مبالغ فيه، ويشعرون أن البشرية تنتظر أخبارهم، وكأنهم محور العالم، ضمن ما يعرف ب(تأثير بقعة الضوء). الأغنياء الجدد في الخليج والمجتمعات العربية يتشاركون في سمات معينة، فهم في الغالب ينحدرون من خلفيات فقيرة ومتوسطة، ويهتمون كثيرا باستعراض الثروة، عن طريق الماركات التجارية مرتفعة القيمة، ويتعمدون إظهارها في أماكن بارزة، يراها كل أحد، ومعها السيارات الفارهة، والملابس الغريبة والصارخة في ألوانها، وبأسلوب الفنان الراحل شعبان عبدالرحيم، ويمكن تجاوزاً تصنيفهم كمصابين ب(متلازمة شعبولا)، وفي بعض الأحيان، يحركهم الحسد العام لكل من يتفوق عليهم، وتستبد بهم النرجسية وتعظيم الذات، ولا يشعرون بالقيمة والأهمية إلا إذا قاموا بإظهار سلبيات وعيوب المختلفين عنهم، وتفوقوا عليهم في المقارنات الاجتماعية. الأمر لا يتوقف عند هذ الحد، فهناك حالات نفسية، تعرف باضطراب المرض الافتعالي، أو (متلازمة مونخهاوزن)، والاسم مأخوذ من شخصية روائية في الأدب الألماني، وتتناول شخصا يعمل باستمرار على تضخيم الأمور وصناعة الأكاذيب، وهذه ممارسة معتادة في المجتمع الإلكتروني، بنسختيه السعودية والعربية، وفيها يتظاهر الشخص بأنه مريض، أو يبالغ في تصوير تعبه ومعاناته، وبما يحقق رغبته النهائية في الوصول إلى اهتمام وتعاطف الناس، والسابق يتفق مع نظرية المسرح ل(أرفنغ غوفمان)، والتي ترى أن الأشخاص في الواقع الافتراضي لا يختلفون عن الممثلين على خشبة المسرح، والفارق أن ممثلي المسرح يحصلون على الإعجاب من خلال موجات التصفيق، وممثلي السوشال ميديا يحصلون عليه بزيادة أرقام الإعجابات وإعادة النشر، ونسبة مرتفعة ممن تم تشخيصهم بهذا الاضطراب، وخصوصاً في المجتمعات الغربية، لديهم تاريخ من سوء المعاملة والإهمال في مرحلة الطفولة. يوجد مصطلح جديد نحت منذ فترة ليست بعيدة اسمه (اقتصاد الانتباه)، وهو يستغل حاجة الناس للاهتمام، وأن تكون لهم قيمة اجتماعية واقتصادية، ويستثمر فيهم لتسويق أفكاره المادية ومنتجاته المختلفة، ومن أمثلتها، الماركات التجارية، والمفارقة أن سوق الأخيرة السنوي يصل لحدود 300 مليار دولار، فيما يقدر حجم تجارتها المقلدة بحوالي ترليون و700 مليار دولار في كل عام، ولا أدري إذا كان ما يشتريه الباحثون عن القيمة الاجتماعية، أصلياً أم مقلداً، ولو أني أميل إلى الخيار الثاني، وهم أشبه بالإسفنجة التي تمتص كل السلع الممكنة، حتى تكون في الواجهة الإلكترونية للأحداث، وهذه النوعية يناسبها ما يعتقده عالم النفس الأميركي (ويليام جيمس)، وهو معاملتها وكأنها غير موجودة، لأنه أسوأ ما يمكن أن تحصل عليه، وقال أهل نجد قديماً وما زالت المقولة حاضرة: (الحقران يقطع المصران). لا يمكن التعامل مع الناس وكأنهم سلع تحسب قيمتها بالأرقام والقياس الكمي، وترك القيمة الفعلية التي يمثلونها كآدميين، ولا بد من العمل على بناء أشخاص بذهنيات مستقلة، لا تعتمد في تقدير الذات على غيرها، أو على الموضة والترند، لأن الماديات لا تساوي قيمتها دائما، والدليل فضيحة ماركة حقائب اليد العالمية، في يوليو 2024، والتي وجد أنها تباع بقرابة 3000 دولار، وتكلفة تصنيعها لا تتجاوز 57 دولارا، وبالتالي لا بد من الاهتمام بصناعة شخصيات واثقة ومؤثرة، لا تلجأ إلى الإسفاف والتفاهة والقيم الخربة والمبتذلة، في الحصول على القيمة الاجتماعية، ومن الأمثلة المليادير إيلون ماسك الذي لا يمتلك بيتا، ويبيت متنقلاً بين أصحابه، وزميله بيل غيتس البسيط في ملابسه، وفي غرامه بالبرغر العادي، والوقوف في الطابور بانتظاره، رغم أنه يستطيع الحصول على أطنان من الكافيار دون أن يغادر سريره، وهذه مهمة تعليمية واجتماعية بالدرجة الأولى، ولن تتحقق إلا بوجود القدوات القادرة والمؤثرة، ولا أتصور غياب هذه الأفكار عن صناع الاستراتيجيات الفاعلة في المملكة.