دعوني أبدأ معكم اليوم بهذه النكتة: سافر أحد القرويين للرياض لأول مرة في حياته.. وأثناء تأمله لبرج المملكة صدم بسيارته "الونيت" سيارة رولزرويس يقودها شاب ثري.. وحين نزل الاثنان لتفحص الأضرار أخذ الشاب يصارخ ويهاوش ويندب حظه، وفي المقابل تأمل القروي الرولزرويس فلم يعجبه شكلها الكلاسيكي فقال: "بس ياخوي لا تصارخ علينا، اللي يسمعك يقول معك كابرس89 " .. وبيني وبينكم أنا شخصيا مازلت أذكر أول مرة رأيت فيها هذه السيارة - قبل 30 عاما -وكيف ظننتها "خردة" بسبب شكلها الكلاسيكي العتيق. ووقتها كنت برفقة زوج خالتي - عليه رحمة الله - الذي نبهني إلى أن سعرها يتجاوز النصف مليون ريال. وحين سمعت هذا برمت شفتي وقلت "ومين المهبول الذي يشتري سيارة كهذه" فرد عليّ بجملة مازالت عالقة برأسي "أنت المهبول، اللي يشتري الرولز يشتري السمعة وليس الشكل"!! ومن يومها تنبهت إلى أن شراء السمعة (بصرف النظر عن الشكل الحسن أو التقنية الأفضل) صناعة قائمة بذاتها وموجهة للصفوة ومن لم يتعبوا بجمع المال.. وهي تعتمد في ازدهارها على الاسم وشهرة الماركة أكثر من الفعالية والتقنية المتقدمة؛ فمن يركب الرولز أو يلبس الرولكس يدرك أنهما ليستا أفضل من بدائل أقل ثمناً ولكنه "يدفع" لقاء المنزلة التي يحددها تنافسنا المادي (والذي لا يهم البسطاء أمثال صاحبنا السابق).. فمن الناحية الفعلية لو كانت الرولزرويس تصنع في تايلند لما تجاوز سعرها المائة ألف، ولو كانت الرولكس تصنع في تايوان لما تجاوز سعرها المائة ريال (بل قلد الصينيون الرولز فانتوم بمبلغ لا يتجاوز113 ألف ريال / أتمنى رؤيتها في صور جوجل تحت اسم Geely Ge )!! .. وقبل فترة بسيطة كنت أتفحص مجلة موجهه للأثرياء تدعى روب ريبورت.. وفي هذه المجلة تجد سلعا عادية وغير استثنائية ولكنها تباع بأسعار خيالية لأشخاص لم يبذلوا جهدا في تحصيل المال. وفي عدد يونيو من كل عام تستعرض المجلة أفضل ما تم عرضه في الأشهر الماضية من خلال قائمة تترك الفقير حيران.. - فهناك مثلا زوج جوارب من صوف خراف منغوليا يتجاوز سعره 1500 ريال (وكأن أبو ريالين لايفي بالغرض). - وساعة من كريستيان ديلور ب170 ألف ريال (رغم أن تقنية سيكو الإلكترونية تفوقها بمراحل). - أيضا هناك ساعات "سكاي موون" التي يتجاوز سعرها النصف مليون دولار (ومع هذا تمتد قائمة المنتظرين الى خمس سنوات) ! - كما يوجد قميص من طبقتين ؛ الداخلية قطن والخارجية جينز ب10000 ريال (وهذا مفيد حين تخسر ثروتك فتفصله لجزأين) !! - وهناك سيجار يدعى "ديفيدوف" يصنع من تبغ خاص لا يزرع إلا في جزيرة واحدة في الكاريبي قيمته 7500 دولار!! - أما حذاء الكابوي ماركة "مايكل أنتني" فيصنع من جلد تماسيح الكونغو فقط (والبعض يرى هذا كافيا لدفع عشرة آلاف دولار ثمنا.. لكل فردة !!) .. المشكلة أن هذه السلع بالذات (التي تعتمد على السمعة قبل النوعية) هي المسئولة عن رواج صناعة التزوير في العالم ؛ فالورش الصغيرة في جنوب الصين والفيليبين وتايلند تدرك أنها بمجرد وضع اسم الماركة على السلعة المقلدة يرفع ربحها أضعافا مضاعفة. وبطبيعة الحال الماركات الأكثر شهرة هي الأكثر تزويرا (لدرجة تشكل ماركات رولكس ولاكوست وأوميغا وكريستيان ديور80% من مجمل السلع المزورة في العالم).. واليوم يعد التزوير صناعة قائمة بذاتها تفوق فى حجمها ميزانية دولة كبرى مثل روسيا - وتقدر ب10% من قيمة التجارة العالمية وتكلف سنويا مليارات الدولارات كأرباح وخسائر.. .. في رأيي الشخصي لن تنتهي صناعة التزوير طالما يوجد أثرياء يحرصون على شراء السمعة وفقراء يرغبون في الانتساب إليها.. ف"الماركات المشهورة" منزلة اجتماعية قبل أن يصبح "التزوير" تجارة عالمية !!