نحتفل في هذا اليوم ال23 سبتمبر من كل عام باليوم الوطني، وهذا العام يوافق الذكرى ال94 لمولد المملكة العربية السعودية بعد ملحمة البطولة التي قادها المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -، والتي استمرت اثنين وثلاثين عاماً بعد تمكنه من استرداد الرياض عاصمة ملك أجداده وآبائه، ونجح في تحقيق وحدة وطنية لم تشهدها الجزيرة العربية على مر التاريخ، ففي يوم الخميس الموافق 17 جمادى الأولى 1351ه الموافق 23 سبتمبر 1932م أصدر مرسوماً ملكياً برقم 2716 يقضي بتحويل اسم البلاد من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى اسم (المملكة العربية السعودية). يعد هذا الحدث منجزا تاريخيا لا يستهان به في سجل التاريخ العالمي، وفيه بدأت مسيرة المنجزات الحضارية العديدة مثل: توطين البادية، وبناء مسيرة التعليم، وإرسال البعثات العلمية لخارج البلاد، وتأسيس الوزارات، وتوسعة الحرمين الشريفين، وخدمة الحجيج وتوفيرها الطرق الوصول الآمنة لبيت الله الحرام، واستقدام الشركات للتنقيب عن البترول، وإنشاء شبكة مواصلات واتصالات بين المدن، وتوفير الخدمات الصحية، وإنشاء السفارات التي سعت إلى إقامة علاقات دولية جيدة، ما يؤكد سعي الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - لتنفيذ مسيرة تنموية حضارية للوطن في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية وتوفير الأمن والأمان في ربوع الوطن، مما جعل المملكة بعد ذلك مثالاً يضرب ويحتذى به في تطبيق الأمن على أرضها. ثم استمرت مسيرة البناء الحضاري على يد أبناء الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذين تعاقبوا على حكم البلاد بعده في النمو والارتقاء وترسيخ آليات التعليم والصحة والاقتصاد والزراعة والرعاية الاجتماعية بتلاحم وطني عريض بين أبناء الوطن وقادته. وهي اليوم تسير بخطوات ثابتة ومتسارعة ماضية في تنفيذ رؤيتها (2030) الطموحة الشاملة لبناء مجتمع حيوي يتمتع بجودة الحياة والتطور الاجتماعي، وبفضل إرادة سياسية قوية وقدرة اقتصادية حققت المملكة الكثير من المؤشرات الإيجابية والنجاحات في برامج ومبادرات الرؤية واستطاعت أن تؤتي أكلها في أقل من ثماني سنوات من إطلاق الرؤية الطموحة وظهر أثرها على الصعيد الداخلي والخارجي وأصبحت واقع يرتقي بالوطن وأبنائه، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - وفقه الله -، فعلى الصعيد الداخلي هناك الكثير من المنجزات، فعلى سبيل المثال لا الحصر برنامج الإسكان ونجاحه في وصول نسبة تملك السعوديين للمساكن إلى 63 % وقربها من الهدف المنشود وهي 70 % بعد أن كانت لا تتجاوز 45 % في السابق، وكان ملف الإسكان من الملفات الأكثر صعوبة ًوتعقيدًا، أما ملف تمكين المرأة الذي ساهم في التحول الاجتماعي فقد ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى 37 % متجاوزة الهدف السنوي 30 %، أما ملف خفض نسبة البطالة الذي كان يعد هاجس وطني طوال سنوات الماضية فقد تم تقليل نسبتها إلى 7.7 %، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1999م متجاوزاً الهدف السنوي البالغ 8 %. وهناك برامج أطلقتها المملكة استهدفت قطاع الرياضة ومجال الاستثمار السياحي وإنعاش السياحة الداخلية داخل الوطن، ففي غضون أعوام قليلة أصبح الدوري السعودي لكرة القدم محط أنظار العالم وسرق الأضواء من الدوريات العالمية الكبرى، وكذلك نحاج المملكة في موافقة الفيفا عن استضافة المملكة لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2034. أما نمو القطاع السياحي فقد استقبلت المملكة 106 ملايين زائر في عام 2023م منها 27 مليون سائح دولي، وكان إطلاق صندوق الاستثمارات العامة شركة «طيران الرياض» لتسهم هذه الشركة في تحقيق مستهدفات القطاع السياحي، وجاء ما يعزز مكانة المملكة كوجهة سياحية بارزة ارتفاع عدد المواقع السعودية المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو إلى سبعة مواقع، والذي يعكس مجهودات هيئة التراث في وزارة الثقافة السعودية. وعلى الجانب الاقتصادي استمرت المملكة في سياساتها التي تهدف إلى تنوع مصادر الدخل وتطوير القطاع المالي، فقد رصدت ميزانية فاقت 1.2 تريليون ريال، ولم يزد العجز في الميزانية العامة للدولة على 2 %. أما الأثر على الصعيد الخارجي وتعزيز المكانة الدولية للمملكة على الساحة العالمية، فقد قامت المملكة بمد جسور التواصل مع دول العالم من بينها الصين بدافع المصالح المشتركة كما شهدت المملكة عددا من القمم لقادة العالم، فكانت القمة السعودية الإفريقية وقمة دول الخليج ودول آسيا، وقمة السعودية الكاريبية والقمة العربية والقمة الإسلامية، وغيرها من القمم التي شاركت فيها المملكة والتي نتج عنها فوز المملكة بتنظيم معرض «إكسبو 2030». ومن منجزات المملكة في عام 2024 تعزيز حضورها الفضائي بمركز عالمي هو «مركز مستقبل الفضاء» بسوق الفضاء كونه أولوية استراتيجية ترفد قطاع الأمن، والصحة، والتعليم، والابتكار. ما سبق غيض من فيض من منجزات الوطن في بنائه الحضاري وكما قال سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «إن رؤية السعودية 2030 عبارة عن مسيرة وليست وجهة نهائية»، ما يعني أن المنجزات الحالية ما هي إلا مرحلة من مراحل النمو والتقدم، فحق لنا أن نفخر بوطن الخير والعطاء وبالتلاحم والوفاء الذي يُظلّنا قادة وشعبا، وصدق من قال: روحي وما ملكت يداي فداه.. * أستاذ التاريخ القديم، جامعة الملك سعود