من أعجب أحوال الانتخابات الرئاسية الأميركية أن "الشعب" لا يملك (عبر التصويت) حسم انتخاب رئيسه في الانتخابات الرئاسية، صحيح أن الأمور تبدو بسيطة حتى للرئيس المرشّح إذ لا يحتاج الأمر (ظاهريا) لكثير من التعقيدات كي تكون مرشحا رئاسيا في الولاياتالمتحدة، ومع هذا وعلى الرغم من أن ملايين الأميركيين يصوّتون في الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات، فإن الرئيس لا يُنتخب بشكلٍ مباشر من قبل الشعب بل إن أعضاء الهيئة الانتخابية (the Electoral College) ال 538 هم من يقرّرون، ولهذا فإن المرشّح يحتاج إلى أصوات 270 منهم في الأقل - أي أكثر من نصف مجموعهم - للفوز بالانتخابات الرئاسية. وقد حدث أن حسمت أصوات الهيئة الانتخابية اسم مرشح الرئاسة بخلاف حجم التصويت الشعبي ثلاث مرات في القرن التاسع عشر، وأيضًا هي الهيئة الانتخابية التي حسمت الأمر في الانتخابات الرئاسية عام 2000، حيث حصل "جورج بوش" على أصوات شعبية (عموم الناس) أقل من منافسه "ألبرت جور"، لكنه حصل على أغلبية أصوات الهيئة الانتخابية وصار رئيسًا، وكذلك الحال في انتخابات عام 2016، حيث حصل "دونالد ترمب" على أصوات شعبية أقل من "هيلاري كلينتون"، لكنه حصل على أغلبية أصوات الهيئة الانتخابية. وفي كل الأحوال لكي تكون رئيسا للولايات المتحدة ينبغي أن تتمكّن أيضًا من تدبير ميزانية "ضخمة" من متبرعين كبار لتمويل نفقات الحملة، وهذا يعني الانحناء لجماعات الضغط. ويكفي أن نعلم أنه في المدة ما بين يناير 2023 وأبريل 2024، جمعت الحملات السياسية الأميركية نحو 8.6 مليارات دولار لانتخابات مجلس النوّاب والشيوخ والرئاسة. ومع تصاعد حدّة الانتخابات الرئاسية الأميركية فيُتوقع أن يصل حجم الإنفاق على الحملات السياسة نحوًا من 12 مليار دولار قبل يوم الانتخابات في 5 نوفمبر 2024، بزيادة 30 ٪ تقريبًا عن الانتخابات الرئاسية عام 2020. وبطبيعة الحال هناك عوامل مهمة تحدّد اتجاه الانتخابات مثل مِزَاج الناخبين في الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا، ميشيغان، ويسكونسن، أريزونا، جورجيا، وكارولينا الشمالية. ولا يمكن إغفال حقيقة أن ولايات مثل فلوريدا وتكساس وفلوريدا وكذلك نيويورك لا تزال ساحات معركة مهمة بسبب نصيبها الكبير من أصوات الهيئة الانتخابية. كما أن هناك تغييرات ديموغرافية صاحبت تزايد أعداد السكان من أصول لاتينيية وكذلك الأميركيين الأفارقة فيما يسمى بولايات حزام الشمس "Sun Belt States" مثل تكساس، أريزونا، وجورجيا، وهذه التغيرات ستجعل هذه الولايات أكثر تنافسية بين المرشحين. وكذلك سيكون لاقتناع ولايات حزام الصدأ "Rust Belt" مثل أوهايو وبنسلفانيا بالخطط الاقتصادية للمرشحين دور كبير في التصويت حيث يركّز مواطني هذه الولايات عادةً على قضايا مثل التصنيع والوظائف. وبطبيعة الحال ستبقى هناك أدوار مهمة بخصوص دعم هذا المرشّح أو ذاك تمتلكه قِوَى أميركية ومصالح أجنبية مؤثرة في الاقتصاد والسياسة وقطاع التقنية، وفي هذا العام تحديدًا سيكون لملف الحرب في أوكرانيا، والحرب على غزة، والموقف من الناتو، والتدخلات العسكرية أثره في الأجيال الجديدة، وعند تيّار عريض من الليبراليين أو المحافظين. * قال ومضى: من تعلّم تألّم.. ومن تألّم تكلّم.