صحيح أن الشاعر يقدم قصيدته ليعبر عن مشاعره وأحاسيسه، وفي الوقت نفسه هو يقدم قصيدته ليستقبل صداها وتأثيرها في بيئته ومحيط حوله، ولكن قلّ أن يطلب نقدها وإبداء الرأي حولها، وربما ساء بعضهم تقديم رأي في مضامينها وتراكيبها بعد تمامها، فقد انطلقت وفق مرئيات شاعرها وحلقت في فضاء التلقي، خاصة عندما يكون معظم الانتقاد والنقد انطباعي وهو بالطبع متغير وفق الظروف والذائقة وليس نقدا وفق معاييره المعتبرة، ليس لأن الشاعر لا يريد تطوير نفسه، ولكن القول فيما فات مدعاة لتشويه العمل دون مبرر ودون جدوى، وقد يكون النقد أو الانتقاد تعدى خصوصية النص والمنتج أو لم يكن بين الشاعر والمنتقد أو الناقد بل عبر إلى ساحة العموم ويكون الشاعر آخر من يعلم بالنقد. وفي الغالب يكون الشعر وهوايته أو موهبته أو الرغبة في الدخول إلى عالمه له هدف، وما ظنناه مصادفة إنما هو الظهور فقط، وإظهار المشاعر لا أكثر، أما الموهبة فكامنة في الشاعر استثارتها موقف أو معاناة، وإلا فإن المواقف وحدها تمر على الجميع دون أن تحدث شيئا أو يكون لها صدى. ولا شك أن التواجد الاجتماعي والحضور والرغبة في دائرة الضوء يأتي اختيارا ورغبة في إرضاء وإرواء التعطش لتلك المكانة.. الخ. وبحسب حصاد الشعر للأهمية والصدارة يكثر الشعراء وقصائدهم باعتبار أن الرواج والطلب جاذب للمزيد، والعكس صحيح أيضا. ومعظم قصائد الشعراء الشعبيين القدماء عبرت أزمة محافظة على متانتها ومكانتها وجودتها دون المرور على ناقد وشارعها ربما لم يسمع رأي أحد حولها، وهذا لا يقلل من النقد ولا يقوي فكرة تحييده والتخلي عنه. وتبقى القصيدة منتجا له خصوصيته يحتفظ بها شاعرها دون غيره. وأخيرا وقفه مع بوح بعض الشعراء: يقول الشاعر حمود بن خلف العصيمي: من حزة غياب الشفق لين انبلج نور الصباح والعين منجحها السهر والراس عايف مرقده امشي واعرّض صدري المدهول لانسام الرياح لا فاح فوح اللي على جال الوجار مقندة من طاول كبار الهقاوي والمناوي ما استراح الا ليا صافح بها التاريخ واسمه خلده ما ألذّ من طعم النجاح الا هتافات النجاح اليا اقبل الناجح لجمهوره وهو رافع يده الفرحة اللي تغمره بعد المثابر والكفاح ما حسّ فيها اللي لقاها باردة ومبردة ما هي غريبة لو يقلّد بالوسام وبالوشاح بينه وبين المجد ما بين المواطن وبلده مخلي اخصامه ترص اكبودها فوق الرماح من كثر ما تونس بها حرة وغبنة ولهدة الحسْد داءٍ ما تخفف منه جرعات اللقاح وإذا تحوّر شب في راعيه نارٍ موقدة لو إن أبو وجهين يبدع فالتظاهر بالصلاح الناس تجهل مقصده والله ما يجهل مقصده ما يبلغ أشُدّ السعادة والفرح والانشراح الاّ نقيٍ كنّ قلبه في محانيه بردة تمرّه الزلة ويتركها على خف وجناح ويمرّه اللي يطلب الفزعة ويبشر بسعده من يتكّل بالله تعالى لو يهدد بالسلاح ماهوب خايف لو تروح الروح من جوف جسده يرتاح لا منّه ذكر قصة بلال بن رباح ويزود راحة كل ما أرخى منكبه في مسجده يفزّ حظه فزته لا أوحى المنادي للفلاح ويبلغ مرامه رغم عن كل الظروف المجهدة أنا أشهد إن الدين عزة فاللغة والاصطلاح يرفع مقام ألادمي على جميع الأصعدة ويقول الشاعر فارس بن عوض السحيمي. طبعي كذا ما أخاف لايم ونقّاد ودربي على وضح النقا له علامة أمشي عليه ومعلنه بين الأشهاد ولا أخاف من لوم الردي والهلامة للطيب وأهل الطيب وبل ورعاد وإلا اللئيم نطيّره فالعسامة ينتابني عند الخطأ طيش وعناد ما اسمع كلام مزودين الملامة ويقول الشاعر أحمد بن عبد الرحمن العريفي (نديم المجرة): أشكي إلى الله دمعةٍ وسط عيني عيت تحدر وقفت بين الاهداب منها اتصدد والخجل يعتريني أخاف قدام المخاليق تنساب وأنا أكابر والأسى محتويني أضحك وفي قلبي ثمانين منساب أضحك واسولف والبلا في كنيني وأصد عنهم لا يقولون منصاب وتخنقني العبرة وترجف يديني والقلب من حر القهر بالحشا ذاب يا دمعتي تكفين لا تفضحيني الناس ما تعرف خفيات الأسباب وأنا أتصبر والصبر ضاق فيني تقطعت من كثرة الشد الاطناب لولا الأمل فيما بقى من سنيني لصيح صيحة غافلٍ عضه الداب.. العريفي العصيمي