لأشيقر مكانة عميقة وخاصة في حياة الشيخ حمد بن عبدالرحمن بن محمد الحصيني -رحمه الله-، فمنها بدأت مسيرته في الحياة عام "1345ه"، ومنها انطلق إلى آفاق العمل الرحبة، وعليها استند في تكوين شخصيته ونجاحه حتى وفاته عام "1441ه". وتبين سيرته الشخصية التي رُوجعت بمعرفة ابنه الشيخ عبدالرحمن حمد الحصيني جانباً كبيراً من حياته المليئة بالأعمال الشاقة، والتي استعان فيها بالله سبحانه ثم بالإصرار وحسن النية، فكان أن نال التوفيق من الرزاق الكريم، وفتح له ربه الطريق؛ حتى صار من رجال المال والأعمال الكبار. ومن مميزاته -رحمه الله- أنه كان منذ صغره يراقب كل شيء ليتعلم ويفهم الحياة، ومن هنا جاءت معرفته المبكرة بالشيخ صالح الراجحي -رحمه الله- فقد رآه في بداية عمله بالصرافة يفترش الأرض ويبسط عليها مجموعة من قروش الفضة "النجيمات" وقد اتخذ موقعاً أمام دكاكين محمد القاضي وإخوته، وعندما تعرف على الشيخ صالح عاش زمناً بالرياض عند أسرة القاضي، وخلال هذه المدة واجهته الكثير من المواقف التي ساهمت في بنائه، وصقل شخصيته، وتكوين معالمها. جاء الكتاب تحت عنوان: "ساعات معدودة.. سيرة الشيخ حمد بن عبدالرحمن بن محمد الحصيني"، وهي ترجمة معنوية دقيقة لكنه الحياة نفسها، فرغم السنوات الطوال التي قضاها الشيخ بالحياة، وكافح فيها ليصل إلى ما وصل إليه إلا أنها مرت كالساعات القصيرة، مثلها مثل حياة كل فرد تمضي به الدنيا دون أن يشعر بها. ويبين الكتاب كيف بدأ الشيخ رحلته، من فرشة على الأرض، ومسيرته التجارية التي نسجت خيوطها في الكويت، ورحلته إلى مكةالمكرمة، ثم اليابان، وهي محطات تنقل فيها -رحمه الله- محافظاً على فطرته الخيرة، طلق المحيا، سريع الاستجابة للخير والصدقة والإنفاق، يحرص على طول القيام في الليل للتهجد، ويظل في مصلاه بعد الفجر حتى تشرق الشمس، ساعياً للمشاركة في الخير قدر استطاعته، وحث غيره من أهل الأموال على فعل ذلك. ومن الأشياء المميزة في مسيرته رحلته إلى القدس عام "1966م" (قبل الاحتلال) التي وصلها بعد رحلة شاقة بدأها من الكويت، ثم المرور على الأردن وسوريا، وامتدت إقامته بها طوال أسبوع كامل، وقد لاحظ وفرة أرزاقها وبركة المعيشة فيها، إلى جانب المشاعر الروحانية التي تستولي على الساكن والمجاور. وإلى جانب التجارة والأعمال اهتم الرجل -رحمه الله- بالتزود للآخرة، والبذل والعطاء في سبيل الخير منذ أمد طويل ومن هنا نشأت "مؤسسة حمد الحصيني وعائلته الخيرية"، لتصبح امتداداً لرحلته الطويلة في العطاء والإحسان، حيث تأسست في مدينة الدمام بالمنطقة الشرقية كمؤسسة خيرية مانحة، وبدأت أنشطتها في دعم المشاريع الخيرية في مجالات عدة تشمل: مشاريع خدمة القرآن الكريم، والسنة النبوية والمشاريع الاجتماعية والإغاثية والتعليمية وغيرها من أبواب الخير والبر. وكي يضمن لهذه المؤسسة الاستمرار والاستقرار أشرك فيها عائلته، وخصص لها أوقافًا قديمة وجديدة قبل رحيله بسنوات، وانتقى مجلس نظارتها وإدارتها من بنيه ومن غيرهم، فضمن بذلك الاستدامة، والمشاركة العائلية مع فريق من المختصين والخبراء الذي يزيدون من ضمان مضاء الوقف في طريقه دون عثرات. لقد كان -رحمه الله- من الذين وهبهم الله حكمة في القول، وجودة في الرأي، وورعاً جعله يبتعد عن كثير من المشاريع لأنه رأى فيها مجرد شبهة، فآثر أن يظفر بالآخرة، فهنيئاً له ما فعل، فالدنيا مهما طالت فهي مجرد ساعات أو دقائق معدودة، لا تستأهل التضحية بالآخرة من أجلها.