الفكرة السياسية الغربية المتداولة إعلامياً تقوم على الترويج لمبدأ الدعوة إلى احتضان بلدان وشعوب الشرق الأوسط وفتح الطريق السياسية أمام التعاون مع هذه الدول وشعوبها، ولا يمكن لمتابع لقضايا الشرق الأوسط أن يصم أذنيه عن هذه الأفكار المتكررة، ومع أن فكرة الاحتضان سياسيًا تبدو ناعمة الملمس إلا أنها فكرة استهلاكية لم تنتج أي تحول أو نقص لحجم الأزمات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط. الشرق الأوسط بمشهده الحديث هو نتاج طبيعي لحدثين؛ الأول انهيار الإمبراطورية العثمانية، والثاني اندفاع الغرب ومحاولته لملء فراغ المنطقة، لقد كانت لحظة منتصف القرن التاسع عشر فارقة في تشكيل الصورة الكاملة للشرق الاوسط مع بداية مؤشرات سقوط الدولة العثمانية التي لم تكن سوى مجرد غطاء سياسي هش للمنطقة العربية بشكل خاص، فعندما بدأت التركة العثمانية بالظهور على سطح الشرق الاوسط بعد انهيارها انكشفت الحقائق حول التجربة الامبراطورية التي بقيت لعدة قرون دون ان تترك آثاراً سياسية قادرة على التعافي. الارتباك الاستعماري الغربي واتخاذ قرارات دولية كارثية تخص الشرق الاوسط الخارج من تجربة سياسية طويلة وغير مفيدة فرضت عليه لستة قرون تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، كشفت ان الشرق الاوسط -وتحديدا العالم العربي- اصبح مكشوفا للعالم المنتصر في الحرب العالمية الأولى، وهنا اصبح السؤال الجوهري المطلوب الاجابة عليه يقول: ما الخطأ الذي حدث في الشرق الأوسط بعد هذه الفترة التاريخية الطويلة؟ خلال الربع الأول من القرن العشرين استسلمت المنطقة العربية والشرق الاوسط بأكمله الى مقولة غربية تتردد في كل الانحاء الجغرافية وحتى اليوم ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين هذه المقولة تقوم على إيمان قوى لدى الغرب بأن الشرق الاوسط فوضوي بشكل دائم، ولذلك بنيت النظرية السياسية الغربية على هذا المفهوم واصبح الخروج من ازمة سياسية والدخول في ازمة اخرى مشهدا طبيعيا في سياسات الشرق الاوسط المليء بالاحداث، ولكن السؤال الآخر يقول: ما العوامل الفعلية التي ساهمت في دعم الفوضى في الشرق الاوسط كما يراها الغرب؟، في الحقيقة هناك وظائف سياسية محمية خاصة بالشرق الاوسط اعتمدها الغرب واعتمد حمايتها بصرامة واصبحت مهام سياسية محمية لا يجب المساس بها بحسب التصنيف الغربي. لنعد الى نفس السؤال: ما الوظائف السياسية المحمية التي فرضها الغرب على الشرق الاوسط؟ هناك نوعان من الوظائف نظرية وعملية تطبيقية، الوظائف النظرية تقوم على ترسيخ الافكار الداعمة لمقولة أن الشرق الاوسط منطقة فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وهذا ما يفسر ان الخطاب الغربي بشقيه الاميركي والأوروبي يتفق على وصف المنطقة بالفوضي وان خروجها من ازمة ودخولها في ازمة اخرى امر طبيعي يجب تقبله كنتيجة للمعطيات التي يراها الغرب ويصم بها المنطقة بأنها بؤرة طبيعية للأزمات. الوظيفة العملية والتطبيقية المحمية من الغرب هي تلك القواعد التي فرضها الغرب بشقيه الاوروبي والاميركي، فالوظيفية السياسية الاكبر والأولى التي تتمتع بحماية صارمة من الغرب هي الوجود الاسرائيلي، اما الوظيفية العملية الثانية فهي ابقاء منطقة الشرق الاوسط منطقة نفوذ عبر تحويلها كمنطقة طاردة لأي قوة دولية تفكر التواجد فيها، وهذا ما حدث مع الاتحاد السوفيتي وتحدث مؤشراته اليوم مع روسيا والصين.. أما الوظيفية العملية الثالثة التي حرص الغرب على حمايتها فهي الاستئثار بالشرق الاوسط اقتصاديا وخاصة الثروات الهائلة الموجودة في جميع دول الشرق الاوسط بلا استثناء. تاريخيًا المشهد السياسي في الشرق الأوسط لا يتغير مع تنوع الأزمات وتجددها، فالعلامة الفارقة في كل أزمات الشرق الأوسط أنها تعتمد ذات الأصول والمنطلقات التاريخية، وهذا بسبب أن هناك من فرض حماية صارمة للوظائف السياسية المطلوب تنفيذها في الشرق الأوسط، فالوظائف السياسية التي اعتمد الغرب حمايتها تتشكل من ثلاثة أضلاع هي: حماية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ثانيا تحريك معايير الطائفية والراديكالية العقدية بجميع اتجاهات الازمات المطلوب تنفيذها، ثالثا تعزيز الكيفية التي يرى فيها الغرب مسارات استغلال ثروات الشرق الاوسط بلا استثناء. الفكرة السياسية الغربية المتداولة إعلامياً تقوم على الترويج لمبدأ الدعوة إلى احتضان بلدان وشعوب الشرق الأوسط وفتح الطريق السياسية أمام التعاون مع هذه الدول وشعوبها، ولا يمكن لمتابع لقضايا الشرق الأوسط أن يصم أذنيه عن هذه الأفكار المتكررة، ومع أن فكرة الاحتضان سياسيا تبدو ناعمة الملمس إلا أنها فكرة استهلاكية لم تنتج أي تحول أو نقص لحجم الأزمات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط. الازمات في الشرق الاوسط ذات تراكم تاريخي مخلوط بأهداف سياسية غير معلنة تتزامن مع استمرار المنطقة بالتأكيد بأن الغرب مازال يواصل سوء الفهم وسوء التقدير لمنطقتنا، وهذه الحقيقة تتنافر والواقع الذي نعيشه، فنحن امام حقيقة غائبة ألا وهي أن لا احد في العالم اليوم يفهمنا بشكل خاطئ لان المطلوب الفعلي لمعطيات المنطقة ولوظيفتها المحمية من الغرب ان تستمر ذات المسارات الغربية دون تغيير جذري، لان هناك مصالح مازالت لم تتغير منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم هي ذات المصالح وذات الاهداف ولكن مع تحديث في المرونة والتكتيك من اجل تحقيق الاهداف بطرق مختلفة.