كثيرة هي نجاحات وزارة الثقافة، ولافتة هي مشروعاتها التي انطلقت من قناعة راسخة بأن الثقافة هي من يصوغ الفكر والحضارة، ويضع الشعوب في دائرة التحضر والعطاء، ولذا فإن استراتيجيتها كانت واضحة منذ انطلاقتها، فكانت جزءاً من التحوّل الوطني، مستصحبة معها فاعلية التمكين القوي لها وفقاً لرؤية 2030 والتي نصّت صراحةً أن الثقافة من مقومات جودة الحياة، وشددت كذلك على زيادة نشاطها الثقافي على اعتبار أن بلادنا بفيوضاتها من الخير والمقومات العديدة التي وهبها الرحمن لها قادرة على أن تكون في مقدمة الأمم لما تكتنزه من موروث عريق وعميق، وتنوّع في التراث والمزايا النسبية المهمة التي تتمتع بها من موقع جيوسياسي وموقع روحي لأكثر من ملياري مسلم. لقد بدت ملامح هذا النجاح وتجلّياته من خلال نزول الثقافة من عاجيّتها إلى كل أفراد المجتمع، وعلى اختلاف أعمارهم السّنّيّة، فرأينا مبادرة عبقرية ضمن المبادرات العديدة التي تم إطلاقها، وهي مبادرة «الشريك الأدبي». هذه المبادرة نجحت باقتدار في أن تستثمر المقاهي بشكل مدهش؛ فقد عظّمت دورها، وأبرزتها لتجعل منها أكثر من مجرد أماكن لتناول القهوة أو الاسترخاء، لقد تحولت إلى فضاءات ثقافية محفزة وملهمة، تجمع بين جدرانها العامة من مختلف فئات المجتمع ليتحاوروا ويتناقشوا في قضايا الحياة والفكر، ويفززوا الراكد من الأسئلة التي قد تكون غائبة أو مهملة في الحياة اليومية. لقد بدت المقاهي بصورة تبعث على التقدير والاهتمام، إذ إنها أحالت الأماكن المصمتة إلى كتل نابضة بالحيوية، واحتضنت بحُدْبٍ الأشخاص، وقرّبتهم من بعضهم بعضاً، وجعلت الأفكار والقضايا الإنسانية والمجتمعية، تتجاذب، وتتحاور، وخلقت لمرتاديها فرصاً للتثاقف والتحاور، وجسّرت التواصل بين الجميع، يناقشون ويتحاورون، ويرسخون قيماً مجتمعية، ووطنية، وجعلوا من الوعي ضرورة لمواجهة تحدياتنا المختلفة أقلها الحفاظ على هويتنا من الذوبان، وتعزيز المعاني الوطنية النبيلة في النفوس. لقاءات وحوارات مفتوحة ومثمرة وفق منظور وطني راسخ ورصين، وبإشراف مباشر من وزارة الثقافة وممثليها بما يجعل من هذه اللقاءات مناخات وطنية خلّاقة تضع الوطن وقيادته في قلب اهتمامها. ففضلاً عن كون المقهى كبقعة أليفة بمرتاديها، وبصفته فضاءً مفتوحًا للجميع، يتيح للفرد الهروب من ضغوط الحياة اليومية، ويدعوه إلى تأمل أعمق في قضايا الفكر والثقافة، إلى جانب ما تثيره اللقاءات فيها من التفاعل الخلّاق الذي يساهم في تحفيز التفكير النقدي، ويشجع على طرح الأسئلة التي تعنّ على عقول المتحاورين، فإن مبادرة الشريك الأدبي بثقة واطمئنان تؤكد أنها جعلت من المقاهي الفضاء الأرحب الذي جسّر حدود التواصل الثقافي، وجعل من الفكر زاداً سهل المنال، وأماكن تجمع الناس لتبادل الأفكار والآراء، وتحفز على النقاش والتأمل، مما يجعل الثقافة جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية.