حين لقاء الصحافي البريطاني بيلينكن بالملك عبدالعزيز بالرياض سنة 1947م انتقل الحديث إلى القضية الفلسطينية، حينها تذكر البريطاني ملحوظة أخرى أبداها الملك في السنة الماضية تفصح كما يقول عن عاطفته وبالتحديد عندما سئل عن رأيه في هجرة الأطفال اليهود الأوروبيين إلى فلسطين فأجاب قائلا: الصبي يكبر فيصير رجلاً. ولذلك فأنا لا أوافق وعارض التقسيم. وحينما سئل عما إذا كان يوافق على نزوح خمسة عشر ألف يهودي سنوياً من أوروبا إلى فلسطين، أجاب بكل بساطة "الموت ولا الهجرة" كل أنواع الهجرة إلى فلسطين وعلق -طيب الله ثراه-: إنني متأكد لو أن الهجرة توقفت، وتوقف (بيع الأراضي لليهود) لانتهت العداوة والخصومة. وهنا علق البريطاني بلينكن: يملك ابن سعود قدرة على التعبير بطريقة حازمة تشبه طريقة الأبطال الأسطوريين. ويمضي بيلنكن إلى أن الملك عبدالعزيز قد طلب من العرب خلال الحرب العالمية الثانية مساندة بريطانيا والحلفاء ضد تهديدات دول المحور وقال مؤخرا: إنني الآن في موقف صعب فإذا كانت بريطانيا ستحيد عن جادة الصواب في موقفها من فلسطين فليس لدي ما أقوله للمسلمين. كان الملك ينتعل اليوم خفاً حريريا ملونا بالأحمر والأبيض لوح بمذبة طرد الذباب وكانت نسخة كما قال بيلنكن من مذبته في القاهرة لوح بها الملك بعنف في أثناء حديثه عن الأممالمتحدة قائلاً: إنها منحازة جدا للصهاينة وفجأة أسقط الملك خفيه الحريريين وحرك أصابع قدميه براحة داخل جواربه البنية ولمع خاتمة على يده الضخمة والمشعرة التي يرفعها مرات ومرات لتأكيد فكرة ما. كان هناك أربعة عشر وجيهاً من مستشاري الديوان الملكي يجلسون على يمينه على بعد مسافة تسمح لهم بسماع صوته وكان هناك أيضا ثمانية أو عشرة حراس مسلحين جالسين قبالة الملك على الأرض بصمت وسيوفهم خلف ظهورهم. في هذه اللحظة قال الملك للزائر عبر المترجم: الصهاينة يحاربون البريطانيين بأسلحة بريطانية ولذا يجب على بريطانيا أن تتصرف، فالعرب يخشون أن تجرد بريطانياالفلسطينيين العرب من أسلحتهم. وتسمح لليهود بالتسلح، ولم يرَ الملك عبدالعزيز بارقة أمل في التقارب بين العرب واليهود غير الصهاينة مضيفاً: أن اليهود يعتقدون أن البريطانيين هم أعداؤهم فلو لم يتدخل أحد في شؤون فلسطين فإن العرب يمكنهم التعامل مع اليهود وتجريدهم من أسلحتهم. ويمضي بيلنكن في كتابه يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض (أحد إصدارات دارة الملك عبدالعزيز) إلا أن الملك عند ما سئل لماذا لا يدعو إلى مؤتمر يناشد فيه اليهود والعرب بتبني الحكمة وتحكيم العقل أجاب باللغة العربية: أنا مع الجانب العربي ولن أدعو إلى أي مؤتمر وليست هناك حاجة إلى مبادرة كهذه ولكن الذي أريد أن أفعله هو رفع السلاح هناك باسم العرب وأن أُقتل في المعركة ليس فقط لأن اليهود غزاة ولكن لأنهم قرروا وبدأوا مخططهم لطرد العرب وهذا هو السبب الذي يدفع العرب إلى محاربتهم، فاليهود خطر دائم ومحدق وهم أيضا يحملون سيفا مصلتا على رقاب البريطانيين شبيه بسيف داموكليس (داموكليس لمن لا يعرفه وفق الحكاية خطيبا متزلفا في بلاط طاغية سيراقوسه بإيطاليا في القرن الرابع قبل الميلاد وكان يغبطه على عرشه قبل أن يخبره بوجود سيف معلق مربوط بشعره ذيل حصان يتدلى فوق رأسه) وختم -طيب الله ثراه-: ولقد أظهر البريطانيون عجزهم في التعامل مع ما يحدث في فلسطين، وكانت النتيجة معاناتهم الراهنة. إلى هنا يقول البريطاني بيلنكن: لمست حينما تكلم الملك الإخلاص في صوته الخفيض. بعدها نظر إليّ الملك بإشفاق ثم قال: أشعر بالخزي من أجل بريطانيا لأن اليهود يوجهون السياسة البريطانية. فالطريق واضح جدا، فلسطين بلد عربي ونرغب في السلام وأن تستقل فلسطين فاليهود غزاة ومن الطبيعي أن يطالب العرب بالتحرر من الغزاة. قصر المربع كتاب يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض سعود المطيري