شعار (أرض بلاشعب لشعب بلا أرض) الذي أخذت به وطبقته الحركة الصهيونية العالمية مازال الشعار الماثل والمطبق في الحركة السياسية الاسرائيلية حتى اليوم منذ أن ظهرت (بروتوكولات حكماء صهيون) وشاع أمرها في الغرب عام 1899م. أعدت هذه البروتوكولات في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة (بال) السويسرية عام 1897م وترجمت ونشرت عام 1910م، وهي تضم (24) بروتوكولاً ترسم خطة اليهود في السيطرة على العالم على مدى مئة عام (1897 1997م)، ولما انكشف أمر البروتوكولات وشاعت نوايا الصهيونية واليهودية العالمية في المؤامرة على العالم على هذا النحو العجيب الذي تضمنته البروتوكولات أعلن اليهود أن هذه البروتوكولات زائفة وليست صحيحة، وكان قد شاع آنذاك أن هذه البروتوكولات يسايرها خطة صهيونية للاستيلاء على فلسطين وعلى المنطقة الواقعة من النيل إلى الفرات وإقامة الحكومة اليهودية العالمية، وقد بدأت أولى علامات مخطط الصهاينة هذه في عملين خطيرين هما سقوط الدولة القيصرية وقيام الدولة الشيوعية في روسيا، وسقوط الخلافة الإسلامية وتحطيم الدولة العثمانية، وكان أحد هذه البروتوكولات قد تناول خطة (السيطرة اليهودية على الاعلام في العالم كله) منذ ذلك الوقت البعيد، ونجد ذلك قد تحقق اليوم فعلاً. خلال الثمانينات من القرن الماضي (1880)م حدث تطور مهم في أوروبا الشرقية وبدأ يلقي ظلاله على مستقبل فلسطين، فقد أدت ظاهرة الشعور القومي الأوروبي والاستعمار إلى بلورة حركة سياسية يهودية عرفت بالصهيونية وانتشرت في وسط المثقفين اليهود من أبناء شرق أوروبا، وكان الصهاينة اليهود يودون الفكاك من وضعهم كأقلية في المجتمعات الأوروبية ومن الخطر المزدوج للاضطهاد والاندماج في هذه المجتمعات، ورأوا أن الحصول على أرض يقيمون عليها دولة يهودية ذات سيادة هو الحل الأمثل لتحقيق هذا الهدف واختيرت فلسطين بسبب التعلق اليهودي بها، وكان قرار الصهاينة الذي اتخذ في المؤتمر الصهيوني الأول هو استعمار فلسطين وتحويلها إلى دولة يهودية بغض النظر عن وجود أهلها الاصليين ولذلك قام البارون موريس دي هيرش، وهو مليونير يهودي الماني، في عام 1897م بتأسيس رابطة أسماها (رابطة الاستعمار اليهودي)، في حين نشر تيودور هيرتزل، وهو يهودي مجري، كتابه المسمى (الدولة اليهودية) وهو عبارة عن بحث دمج فيه الأفكار الصهيونية السائدة وقتها وحدد برنامجاً لتنفيذها، وفي السنة التالية دعا هيرتزل إلى عقد المؤتمر الصهيوني الأول الذي تمخض عنه انشاء المنظمة الصهيونية العالمية وهو الاطار التنظيمي الذي احتوى كل العمليات والتحركات الصهيونية اللاحقة، وفي سنة 1901م أنشىء الصندوق القومي اليهودي في لندن للحصول على أراض في فلسطين تبقى تحت حوزة اليهود ولاتخرج منها أبداً ولاتستخدم فيها إلا الأيادي العاملة اليهودية وذلك سعياً إلى زيادة الهجرة اليهودية إلى فلطسين، ولذلك فإنه في الفترة الواقعة بين التسعينات من القرن الماضي وحتى سنة 1914م تم إنشاء (30) مستعمرة يهودية في فلسطين، وما أن بدأت سنة 1914م حتى كان مجموع المهاجرين اليهود إلى فلسطين قد بلغ قريباً من ثمانين ألفاً. وقد كان للفلسطينيين أهل الأرض اعتراضهم ورفضهم للنشاط الصهيوني المتزايد في فلسطين وقد حاولت الدولة العثمانية فرض تشريعات تقيّد الهجرة الصهيونية الجماعية وجهودها في شراء الأراضي الزراعية من ملاك الأراضي الغائبين في بيروت وذلك دون اعتبار للمستأجرين والمزارعين بالمشاركة من الفلسطينيين، ولكن جهودها أحبطت بسبب ضغط الدول الأوروبية التي فرضت على الدولة العثمانية مايسمى بنظام الامتيازات الأجنبية في فلسطين وبسبب فساد الموظفين الأتراك المحليين أنفسهم، وكذلك بسبب طمع بعض ملاك الأراضي الأفراد الذين كان أغلبهم يعيش في ترف ورفاهية في بيروت والذين باعوا ضياعاً واسعة للمؤسسة الصهيونية. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في شهر اغسطس عام 1914م تحالفت بريطانيا مع أولئك العرب الذين كانوا غير راضين عن الحكم العثماني والذين اعتقدوا خاطئين أن بريطانيا ستعطي الوحدة والاستقلال للبلاد العربية التي كانت تشكل جزءا من الدولة العثمانية، غير أنه في بداية شهر مايو 1916م وسعياً لتنفيذ المخطط الذي وضعه الصهاينة اتفقت بريطانيا وفرنسا وروسيا سراً على تدويل فلسطين، وفي 16 مايو 1916م تم توقيع اتفاقية (سايكس بيكو) والتي تم بمقتضاها تقسيم الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وبعدها مباشرة في نوفمبر 1917م صدر وعد بلفور في وثيقة أرسلت من آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني إلى البارون ليونيل وولتر دي روتشيلد، وهو صهيوني بريطاني، يتعهد فيه بأن بريطانيا ستؤيد إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وكانت هذه الوثيقة هي الحد التاريخي الفاصل في تطور الحركة الصهيونية حيث وقعت القدس في شهر ديسمبر 1917م في يد القوات البريطانية وقوات الكومنولث بقيادة الجنرال (اللنبي) الذي يعرف بعبارته الشهيرة التي قالها عندما دخل القدس (الآن انتهت الحروب الصليبية)، وبحلول شهر سبتمبر 1918م كانت بقية انحاء فلسطين قد احتلت من قبل قوات الجنرال (اللنبي) وبذلك فتح الطريق واسعاً لتحقيق الفكرة الصهيونية. وتم في شهر 5/1919م توقيع معاهدة فرساي وميثاق عصبة الأمم والتي اقرت حق الانتداب بحيث انتدبت بريطانيا لاعطاء فلسطين القدرة على حق تقرير المصير حسب نص المادة (23) من ميثاق عصبة الأمم، فكان أن بدأت بريطانيا بتهيئة فلسطين وطناً لليهود الصهاينة المهاجرين، ولذلك بدأ الفلسطينيون عندما رأوا حجم المخطط وحلول بريطانيا كمستعمر جديد التحرك للدفاع عن وطنهم، فكان أن اندلعت أعمال الجهاد في بداية عام 1920م وقتل في أول عملية خمسة يهود وجرح مئتان، وكان رد بريطانيا مليئاً بالتحدي إذ عينت في شهر 7/1920م السير (هربرت صموئيل)، وهو صهيوني متفاخر بصهيونيته، كأول مندوب سلمي على رأس إدارة مدنية جديدة في فلسطين على الرغم من معارضة أهل البلاد الفلسطينيين، وأعلن هذا الصهيوني في شهر 8/1920م السماح بهجرة (16,500) يهودي إلى فلسطين على مدى عام من بدء حكمه، وفي شهر 5/1921م أدت الاحتجاجات الفلسطينية على الهجرة اليهودية الجماعية إلى اندلاع أعمال الجهاد من جديد وقتل في الاشتباكات 46 يهودياً وجرح 1152، وكان الفلسطينيون قد بدأوا ينظمون أنفسهم بشكل أفضل حيث عقد مؤتمر فلسطيني عام حضرته الجمعيات الإسلامية والمسيحية في أنحاء البلاد وانتخبت لجنة تنفيذية عليا وعقدت ثلاثة مؤتمرات فلسطينية عامة بين شهر 1/1919 و 8/1922م. وكان مجلس عصبة الأمم قد أقر شروط الانتداب في شهر 7/1922م حيث نصت المادة الثانية من هذه الشروط على (تكليف الدولة المنتدبة بريطانيا بوضع البلاد فلسطين بحالة سياسية وإدارية واقتصادية تسمح بإنشاء الوطن القومي لليهود)، أما المادة (4) من هذه الشروط فقد سمحت بإنشاء (وكالة يهودية تمثل يهود العالم لإسداء النصح والمشورة إلى الدولة المنتدبة بريطانيا ) أما المادة (6) فقد نصت على أن (الدولة المنتدبة مع ضمانها لعدم تضرر حقوق وأوضاع الأقسام الأخرى من المكان لابد ان تسهل الهجرة اليهودية واستيطان اليهود في فلسطين)، وثار الفلسطينيون بعدها حيث اتضح لهم ان الانتداب هو عبارة عن تحالف بريطاني صهيوني لاحتلال وطنهم، كما اعتبروا ان بنود صك الانتداب لا تتعدى كونها وسائل لتنفيذ البرنامج الصهيوني، ولكن ضعف الفلسطينيين أمام القوات البريطانية المدججة بالسلاح والمدرعات التي دعمت الوجود الصهيوني وآزرته، وضعف الدول العربية المجاورة جميعاً التي كانت واقعة تحت الاحتلال الأجنبي كان عاملاً في غير صالح أهل البلاد الفلسطينيين، غير أن إنشاء الوكالة اليهودية التي ينص عليها نظام الانتداب في شهر 8/1929م لتمثيل كافة التجمعات اليهودية في العالم، وظهور بعض الشخصيات اليهودية ذات الشهرة العالمية كأعضاء في مجلس إدارة الوكالة اليهودية، اثار مخاوف الفلسطينيين بشكل كامل مما أدى إلى اشتباكات عنيفة قتل فيها 133 يهودياً وجرح 339 عام 1930م مع استمرار أعمال الجهاد في كافة أنحاء فلسطين، وفي شهر 12/1931م عقد في القدس مؤتمر إسلامي شهده مندوبون عن (22) دولة إسلامية لتأييد حق الفلسطينيين، وفي الفترة بين عام 1932م 1934م ارتفع معدل عدد السكان اليهود المهاجرين من (18%) إلى (30%) مما أدى إلى بدء الجهاد الفلسطيني المسلح حيث استشهد الشيخ عز الدين القسام ومعه بعض رفاقه في شهر 11/1935م في أول العمليات الفلسطينية العلنية المسلحة، وفي أوائل عام 1936م بدأت الثورة الشعبية الفلسطينية والتي اسمترت حتى عام 1939م والتي قوبلت بشراسة من القوات البريطانية حيث اعتقلت العشرات من الفلسطينيين وحلّت الجمعيات الفلسطينية واعتقلت اعضاءها وفرضت العقوبات الجماعية على المدن وأغلقت المدارس والكليات، ودربت القوات البريطانية في نفس الوقت فرقة خاصة سميت بشرطة المستعمرات اليهودية والتي بلغ عدد أعضائها في سنة 1939م ما يقارب (14000) شخص أغلبهم من اليهود، وواجه الفلسطينيون ذلك القمع بالجهاد والتحدي وأعمال المقاومة التي واجهت شراسة المستعمر الغربي وصهيونية المهاجر اليهودي، وهدأت الحالة عند بداية الحرب العالمية الثانية (1939 1945) والتي سافر خلالها الزعيم اليهودي دايفيد بن غوريون مندوباً عن الوكالة اليهودية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث عقد في شهر 5/1942م مؤتمراً في نيويورك حضره عدد من اليهود الأمريكيين الذين تعهدوا بشراء الأسلحة لصالح العصابات الصهيونية العسكرية وكان لهذا المؤتمر أثر في الحصول على الدعم الرسمي الأمريكي من الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي تولى الرئاسة الأمريكية بعد وفاة مفاجئة للرئيس فرانكلين روزفلت وهو ما اعتبر كسباً صهيونياً حيث دعم ترومان الاطماع اليهودية في فلسطين التي حاولت بريطانيا نوعاً ما تحجيمها اثر صدور كتابها الأبيض عام 1939م وهو ما أدى إلى ان تقوم العصابات الصهيونية اليهودية المختلفة (شتيرن الارغون الهاغانا) بهجمات ضد القوات البريطانية حيث أدخلت هذه العصابات ولأول مرة في منطقة الشرق الأوسط أسلوب السيارات المفخخة الملغومة أو المحشوة بالقنابل وكان معظمها موجهاً ضد منشآت مدنية مثل الجسور والموانىء ومرافق المواصلات، وكانت بريطانيا تستطيع قمع العمليات العسكرية اليهودية بنفس العنف الذي قمعت به انتفاضة الشعب الفلسطيني ولكنها امتنعت خوفاً من ردود فعل اليهود الصهاينة في بريطانيا وفي العالم. كانت نهاية الحرب العالمية الثانية (1945م) بداية لتنشيط الهجرة اليهودية إلى فلسطين حيث قامت الآلة الإعلامية الصهيونية باختلاق قصة احراق اليهود ونشرها وتضخيمها لكي تدفع الدول الكبرى إلى دعم هجرة اليهود إلى فلسطين، وكان الملك عبدالعزيز رحمه الله أول من نظر إلى هذه التطورات بانزعاج شديد حيث عقد اجتماعاً في قناة السويس في شهر 2/1945م مع الرئيس الأمريكي روزفلت حيث أكد الرئيس الأمريكي للملك عبدالعزيز أن الولاياتالمتحدة لن تتخذ أي اجراء بخصوص المشكلة الفلسطينية يكون معادياً للعرب، غير أن وفاة الرئيس روزفلت بصورة مفاجئة وتولي الرئيس ترومان أدى إلى شروع هذا الأخير في تبني المطالب الصهيونية لتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين وكذلك في تسهيل الاستيلاء على المزيد من الأراضي من الفلسطينيين، وكانت سياسة الجامعة العربية ومن خلفها دولها هو دعم اللجنة العربية العليا بفلسطين وإنشاء صندوق لتقديم القروض إلى المزارعين الفلسطينيين لمحاولة كبح حركة الاستحواذ على الأراضي من قبل الوكالة اليهودية. وفي شهر 11/1947م صدر قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، وفي نفس الشهر أوضحت بريطانيا انها ستسحب قواتها من فلسطين في غضون ستة أشهر، وكان اليهود قد نظموا أنفسهم عدداً وعدة واقتصاداً وبنية تنظيمية تسمح لهم بإنشاء دولتهم عند رحيل القوات البريطانية، وكذلك قررت الجامعة العربية تزويد اللجنة العسكرية العربية في فلسطين بعشرة آلاف بندقية لوضعها تحت تصرف قوة تتألف من ثلاثة آلاف مقاتل غير نظامي معظمهم من المتطوعين من عدة دول عربية، غير أن الصهاينة وبعد اجتماع سري عقد في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي (ترومان) الذي كان يستعد للانتخابات الأمريكية والزعيم الصهيوني البريطاني (حاييم وايزمن) حصلوا على الضوء الأخضر الأمريكي المطلوب لبدء خطة نهائية تسبق إقامة الدولة اليهودية سميت بخطة (دالت الهجومية) التي بدأت بواسطتها العصابات اليهودية (شتيرن الارغون الهاغانا) القيام بعمليات التدمير والعنف والارهاب وارتكاب المجازر الجماعية وقتل الفلسطينيين واقتحام قراهم ومدنهم في حرب نفسية تهدف إلى دفع المدنيين إلى الفرار وإخلاء الأراضي لليهود وإلى رسم ملامح الدولة الاسرائيلية، وأعلنت الدول العربية الحرب رغم ضعف امكانياتها وامكانيات جيوشها، وكان رأي الملك عبدالعزيز رحمه الله خطأ دخول الجيوش العربية الحرب لأنها ضعيفة وهشة في حروب العصابات، وكان غفر الله له يرى ان تقوم الدول العربية بدعم الفلسطينيين بالمال والسلاح من أجل الدفاع عن أراضيهم وفتح الباب لمن يريد أن يجاهد من المتطوعين العرب، غير أن الخطة الصهيونية النهائية لإقامة دولة يهودية في فلسطين كانت مدروسة ولها استراتيجيتها، وشروط دعمها التسليحي والمالي كانت متوفرة قبل فترة طويلة من إقامتها، وهو ما أدى إلى الاستيلاء على قرى ومدن فلسطينية كثيرة وهروب أهلها المدنيين الضعفاء أمام الارهاب والقتل اليهودي واقتحام القرى وذبح أهلها، هروباً أما عن طريق البحر إلى لبنان ومصر وإما بالطريق البري عبر الحدود اللبنانية أو إلى الضفة الغربية التي لم تكن ضمن حدود خطة (دالت الهجومية). وفي 13/5/1948م وجه حاييم وايزمن رسالة إلى الرئيس الأمريكي ترومان يطلب منه الايفاء بوعده الاعتراف بالدولة اليهودية، وفي 14/5/1948م غادر المندوب السامي البريطاني فلسطين عائداً إلى بلاده بعد أن تم تجهيز فلسطين ليهود الشتات، وظهرت دولة اسرائيل إلى الوجود بعد منتصف الليل بدقيقة واحدة بتوقيت فلسطين واعترف بها ترومان بعد عشر دقائق، وجاءت هذه اللحظة تتويجاً للمخطط الصهيوني بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين. منذ ذلك الحين وحتى الآن لم تتغير المعادلة الصهيونية وان اختلفت اسماء عناصرها فالفكرة ما زالت قائمة وهي تنفذ ويدافع عنها بكل قوة ممن احتواهم النفوذ الصهيوني المتنامي عالمياً في الاعلام وفي الاقتصاد والمال، وصاحب القوة في التأثير على المفاتيح الأساسية في دول أوروبا وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي تستمر بنفس الوتيرة والحركة، وما أعقب إقامة الدولة اليهودية من احتلالها للأراضي العربية في أعوام 1948م و 1967م وكذلك احتلالها للجنوب اللبناني ثم هروبها منه إلا أمثلة على استمرار حركة الفكرة الصهيونية. اختلفت الأسماء في الحركة الصهيونية فمن هيرتزل وجابوتتسكي وبن غوريون إلى غولدامائير ومناحيم بيجن وصولاً إلى رابين وبيريز وباراك ونتنياهو، ومن عصابات شتيرن والارغون والهاغانا وصولاً إلى جيش العدوان الاسرائيلي وحرس الحدود وعصابات المستعمرين، ومن فلسطينيي 48 إلى ملايين اللاجئين الفلسطينيين حالياً، ومن بريطانيا كدولة راعية للدولة اليهودية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية كدولة راعية حالياً، ومن المهاجرين اليهود من أوروبا عام 48 إلى اليهود العرب في الخمسينات وصولاً إلى مهاجري يهود الشتات من روسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية في التسعينات الميلادية. كان مألوفاً منظر يهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبوع الماضي حين صرّح بعد جلسة لمجلس وزرائه بأنه ما زال يرى أن هناك نافذة للسلام مع الفلسطينيين، بعدها مباشرة دكت قواته المدن والقرى الفلسطينية المختلفة، وبعدها مباشرة توفيت رضيعة فلسطينية عمرها (23) يوماً بسبب الغاز المنطلق من القنابل التي ألقاها الجنود الاسرائيليين على منزل أهلها. الصراع الإسلامي اليهودي على أرض فلسطين العربية هو صراع مستمر تمثله تماماً تلك العبارة التي كتبت على الجدار الذي استند عليه جمال الدرة وابنه محمد محتميين من الارهاب اليهودي الذي أدى إلى استشهاد الابن فيما ترك للاب جراحا كثيرة تضم إلى جراح الفلسطينيين الممتدة المستمرة، كانت العبارة التي كتبت على الجدار والتي كانت ظاهرة في اللقطة التلفزيونية التي عرضت الارهاب الاسرائيلي تقول (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، وكاتبها فيما يبدو كان يعرف تماماً المعادلة المطلوبة للجم الصهاينة ومن يقف خلفهم، كان يعرف تماماً الحل للمعضلة الإسرائيلية، كان يعرف تماماً ماذا كتب رداً على سلام بني صهيون.