تشكل الجهود التشريعية والإجراءات المتتالية والإعلانات المتوالية المتخذة لمكافحة الفساد بكافة أشكاله وأنماطه وأساليبه في هذا العهد الميمون تحولاً حقيقياً في مواجهته، ولازالت تلك الخطوات المباركة تؤكد يوماً بعد يوم أن الإطاحة برؤوس الفساد وتعرية رموزه واجتثاثه من جذوره في مقدمة أولويات الاهتمام للقيادة الرشيدة -أعزها الله-، انطلاقاً مما يكتنفه الفساد من خطر ويبرزه من مخاطر على ما اعتمد من مشروعات تنموية وبرامج حيوية ومبادرات نوعية من أجل الارتقاء بتنمية وريادة الوطن، وتحقيق الرفاه والحياة الكريمة للمواطن أساسها العدل والمساواة، في ظل ما يعيشه الوطن من مرحلة غربلة لمنظوماته الاقتصادية وإنفاق استثماري غير مسبوق لتحقيق مستهدفات رؤيته الطموحة، وبالتالي ما يستلزمه القضاء على الفساد من جهود مضاعفه تشريعياً وأمنياً وقضائياً، وشفافية عالية لإجراءات المسألة والمحاسبة والعقاب، تمهيداً للقضاء على أسباب الفساد والممارسات الفاسدة والبيئة المحفزة لهما، باعتبار ذلك سببًا رئيسًا لعرقلة الدفع بعجلة التطوير والإصلاح والنماء، ومهدداً حقيقيًا لمقدرات ومكتسبات وطننا الغالي. واستكمالاً للرحلة المباركة التي تجسد اهتمام القيادة الحكيمة في تطوير منظومة التشريعات لأجهزة إنفاذ القانون في مكافحة الفساد، صدرت مؤخراً الموافقة الملكية الكريمة على «نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد» بهدف تعزيز دور الهيئة في الاضطلاع بدورها النظامي ومباشرة اختصاصاتها في مكافحة الفساد المالي والإداري، حيث حدد النظام صور جرائم الفساد التي تختص الهيئة بمباشرتها، وهي: جرائم الرشوة، والاعتداء على المال العام وإساءة استعمال السلطة وأي جريمة أخرى ينص نظاماً على أنها جريمة فساد؛ وبين النظام اختصاصات الهيئة في الرقابة الإدارية والتحقيق والادعاء الإداري وحماية النزاهة، وتعزيز الشفافية والتعاون الدولي مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية في مجال عملها، والتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري والتحقيق والادعاء الجنائي؛ كما حوى النظام أحكاماً تتعلق بعقوبة الفصل من الوظيفة للموظف العام أو من في حكمه عند الإدانة بجريمة فساد، والإثراء غير المشروع، وهروب المتهم إلى خارج المملكة؛ ومنح النظام الهيئة صلاحية إجراء تسويات مالية مع من يبادروا بطلب ذلك. هذا النظام الجديد أتى لتأكيد الاستقلالية التامة للهيئة في عملها، ورسم مسار تشريعي واضح لاختصاصاتها وصلاحياتها النظامية لما يندرج تحت مظلتها من جرائم، وتعزيز مسار عملها وبصورة مؤسساتية لتحقيق أهداف النظام والريادة في المكافحة محلياً وإقليمياً ودولياً؛ ولهذا نقول إن نهج القضاء على الفساد وليس فقط مكافحته هو إحدى أهم أولويات هذا العهد المبارك، وما صدور هذا النظام إلا دليل على استمرار توجه العزم والحزم لمواجهة الفساد والفاسدين كي تبقى للمال العام حرمته ولقوانين المكافحة اعتبارها وللأجهزة الرقابية هيبتها وللأجيال القادمة نصيبها.