روسيا تركز روسيا تستجمع القوى، هذه العبارة الشهيرة التي قالها وزير الخارجية الروسية صاحب السمو الأمير ألكسندر ميخائيلوفيتش جورتشاكوف الذي عينه القيصر الروسي ألكسندر الثاني وزيراً للخارجية بعد مؤتمر باريس عام 1856- على إثر الهزائم في معارك القرم- وذلك من أجل استعادة روسيا للأمجاد التي حققتها بعد تسليم وزير الخارجية الفرنسي السابق تاليران (Talleyrand) مفاتيح العاصمة الفرنسية للقيصر الروسي ألكسندر الأول في مارس 1814 لتصبح روسيا على أثر ذلك زعيمة لأوروبا والعالم- كما هو حال الولاياتالمتحدة اليوم. إن الولاياتالمتحدة محتاجة، كما قال جورتشاكوف، إلى استجماع القوى، بعد الضعف الذي اعتراها نتيجة الأزمات المالية الاقتصادية التي حلت بها منذ عام 2008، والتي على أثرها تحولت الصين بدلاً عنها إلى العربة التي تجر وراءها بقية عربات الاقتصاد العالمي. إن الاقتصاد الأمريكي لا يعيش أفضل أيامه نتيجة الأزمات التي مر بها والطرق التي اتبعت في حلها، وآخرها التيسير الكمي بعد تفشي كوفيد-19، والذي أدى إلى اختلالات كبيرة، فأصبحت الولاياتالمتحدة تعاني من التضخم وتراكم العجز بمختلف أنواعه. وهذا أدى إلى الإدمان على أخذ القروض، بحيث أصبح من غير الممكن سدادها دون اللجوء إلى الاستدانة من جديد. ولهذا وصل الدين الفدرالي الأمريكي إلى أرقام فلكية، وتجاوز 33 تريليون دولار. وهذا يعني إن نسبة الديون وصلت إلى نحو 122% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي هو عند 27 تريليون تقريباً. وهذا الحجم الهائل من الديون يحتاج إلى خدمة باستمرار بالمليارات. ففي خلال السبعة الأشهر الأولى من السنة المالية الحالية التي تنتهي سبتمبر 2024 وصل المبلغ المطلوب لخدمة الديون المستحقة على الولاياتالمتحدة إلى 514 مليار دولار- وهذا مبلغ ضخم يتجاوز نفقات الدفاع خلال الفترة المشار إليها. إن الاختلالات الاقتصادية التي تعاني منها الولاياتالمتحدة لها تكاليفها السياسية. ولهذا نرى الانتقال التدريجي لمفاتيح الحرب والسلام العالمي من الولاياتالمتحدة إلى روسيا- كما هو حال العلاقات السورية التركية- وبشكل أكبر للصين، حيث كان آخرها الصلح بين الفلسطينيين، وإعلان وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، نهاية الأسبوع الماضي، من قوانغتشو جنوبالصين عن استعداد بلاده للسلام مع روسيا. من هنا، فإن الولاياتالمتحدة من أجل استعادة أمجادها تحتاج إلى استجماع القوى والكف، ولو مؤقتاً، عن لعب دور الإمبراطورية التي لها تكاليف، الولاياتالمتحدة، على ما يبدو، غير قادرة على تحملها في الوقت الراهن. ولذلك فليس مصادفة أن يرفع الرئيس الأمريكي السابق والمرشح عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة القادمة شعار أمريكا أولاً. وهو تقريباً، وإن بعبارات أخرى، نفس الشعار الذي رفعه صاحب السمو الأمير ألكسندر ميخائيلوفيتش جورتشاكوف وزير الخارجية الروسي قبل 198 عاماً تقريباً، عندما ضعفت روسيا واستهان بها غيرها.