ما زالت المملكة في صدارة الدول التي يقوم الوافدون فيها بتحويل مبالغ نقدية كبيرة إلى دولهم الأصلية، حيث جاءت في المركز الثاني بعد الولاياتالمتحدة وفقا لتقرير الهجرة العالمية لعام (2023م)، والمستند في بياناته على معلومات من البنك الدولي؛ هذا في ظل ما سجلته تحويلات المقيمين من انخفاض في حجم المبالغ المحولة بنحو ما يقارب (13 %) خلال العام المنصرم، حيث بلغ حجم المبالغ المحولة نحو (125) مليار ريال في العام الماضي، مقابل (144) مليار ريال في عام (2022م)، بحسب معلومات متداولة تستند لبيانات من البنك المركزي السعودي، وتشير البيانات إلى أن تحويلات الوافدين خلال العشر سنوات الماضية في الفترة من (2014م) إلى (2023م) وصل حجم لنحو ما يقارب (385) مليار دولار؛ يذكر ان إجمالي المقيمين العاملين في القطاعين العام والخاص والمسجلين في نظام التأمينات الاجتماعية بلغ (8,7) ملايين، بحسب ما أعلنه المرصد الوطني للعمل في نهاية عام (2023م)؛ حيث يشكل إجمالي عدد غير السعوديين المقيمين في المملكة ما يقارب (13,5) مليون نسمة، أي نسبة (41,6 %) من كامل مجموع عدد السكان وفقا لنتائج تعداد السعودية لعام (2022م) من قبل الهيئة العامة للإحصاء. تلك الإحصاءات المختصرة تتماهى مع موضوع المقال وما يعيشه الوطن من تنمية شاملة ومبادرات نوعية وبرامج عديدة ومشاريع مختلفة وإنفاق استثماري غير مسبوق لتحقيق مستهدفات رؤية الوطن الواعدة لتنويع مصادر الدخل، وهو ما تطلب اتخاذ عدد من الإجراءات الإصلاحية الاقتصادية والتنظيمية الهادفة للتحكم في النفقات وخفض المصروفات وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية عبر فرض الضرائب والرسوم؛ حيث أظهر التقرير السنوي الأخير لمسار أعمال الرؤية تسجيل الناتج المحلي الإجمالي للأنشطة غير النفطية أعلى مستوى تاريخي له بمساهمات بلغت (50 %) من الناتج المحلي الحقيقي لعام (2023م)، ونمت الأنشطة غير النفطية بمعدل (4.7 %) خلال العام نفسه؛ حيث ارتفع أجمالي الإيرادات الحكومية غير النفطية بنحو (457) مليار ريال لعام (2023م)، وساهم ذلك بتغطية ما نسبته (35 %) من إجمالي مصروفات الميزانية العامة خلال العام نفسه. وهذا يقودنا إلى اقتراح استقطاع مبلغ نقدي كضريبة على التحويلات النقدية الخارجية للمقيمين، والمتوقع أن ينتج عنه إيرادات جيدة من الناتج المحلي، وإعادة ضخها للصرف على مختلف قنوات المشاريع التنموية، فالمؤشرات تنبئ عن أنه ما زالت أرقام تحويلات المقيمين كبيرة وفي نمو مضطرد، وفي ذلك استنزاف للاقتصاد وضغط على ميزان المدفوعات الوطني، وبالتالي نرى أن استقطاع نسبة ولو كانت ضئيلة من قيمة الأموال النقدية المحولة كضريبة لن يكون لها أثر يذكر على مقومات تنافسية سوق العمل واستقطاب الكفاءات والمهارات لارتباط ذلك بما يحصلون عليه من مزايا مالية تتجاوز ما هو موجود لدى الدول الأخرى بمراحل، فالضريبة على التحويلات النقدية موجود لدى كثير من دول العالم بما فيها المجاورة لنا، بل ولدى الدول التي أتى إلينا منها الباحثون عن عمل، وفي إقرار هذه الضريبة تشجيع للمقيمين على الأقل بعدم تحويل كامل أموالهم والإبقاء على جزء منها يتداول في المنظومة الاقتصادية المحلية؛ وفي كلا الأحول فرض ضريبة على التحويلات المالية للوافدين يستلزم قبل ذلك إجراء دراسة وتقييم لحجم وتيرة هذه التحويلات، ومقدار نموها، ومقدار نسبة الضريبة المقترحة على التحويلات، وهل هي نسبة ثابتة أو تصاعدية بحسب حجم قيمة المبلغ النقدي المراد تحويله، وهل هناك فئات مستثناة، ونحو ذلك.