السياسية الأميركية تعيش مرحلة مختلفة، فالانتخابات الأميركية خلال العقد الماضي وحتى اليوم أصبحت مزاداً لبيع الأهداف السياسية الدولية، خاصة أن السنوات الماضية لم تثمر عن أفكار سياسية أميركية ذات بصمة دولية، وهذا ما سمح بأن تسعى السياسة الأميركية إلى فتح مزاد دولي لبيع الأهداف السياسية في أكثر من موقع عالمي سواء حول بحر الصين أو أوكرانيا أو الشرق الأوسط... مع تزايد الاحتمالات حول انسحاب بايدن من سباق الرئاسة تتضاعف فرصة ترمب الذي لن يفكر مستقبلاً سوى بمحاكمة شاملة لكل الأحداث التي جرت أثناء رئاسة خصمة الأكبر بايدن، لقد ظهر ترمب في مؤتمر الحزب الجمهوري بعد نجاته من محاولة الاغتيال التي أعادت تقديمه كبطل على طريقة الأفلام الأميركية، وقد ظهر منتصراً في ليلة افتتاح المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، وهو يغطي أذنه اليمنى المجروحة، ولن تتخلى حملة ترمب من اليوم وحتى نوفمبر من تكرار مشهد بطولة ترمب وهو يرفع يده بعد الحادثة كمشهد مقنع في حملة رئاسية حددتها بالفعل المشاهد الدرامية التي جرت أثناء محالة اغتياله. تقول بعض الصحافة الأميركية إنه يراودها شكوك كبيرة حول فترة ترمب الثانية، فالتوقعات تشير إلى أن رجل البيت الأبيض سيكون (حازماً، عدائياً وغير مقيد)، ولكن المؤكد أن ترمب سوف يعود وقد تكرست لديه القناعات حول رؤيته لأميركا وكيفية تنفيذ هذه الفكرة التي قد تؤدي إلى أن أميركا مع ترمب قد تدفع العالم خلال الأربع سنوات القادمة إلى المرور بتجربة حبس الأنفاس لعدة مرات أمام قرارات قد يتخذها ترمب، الذي إن تمكن من الوصول إلى البيت الأبيض فلن يستطيع فريقه الرئاسي من التغلب على قراراته أو حتى تأجيلها أو التعامل معها بهدوء. المشهد الانتخابي الأميركي دائماً يتميز بأنه مثير للدهشة، فعبر السنوات أثبتت السياسة الأميركية أنها تتميز بالرشاقة الحادة من حيث تغيير المشهد السياسي وقلب نتائجه، ومع تلك النقاشات الحادة حول المرشحين للرئاسة الأميركية ومن يستحق البقاء، إلا أن مشهد محاولة اغتيال ترمب أثبت أن الثقافة الأميركية السياسية قادرة على استثمار الأحداث وتحويلها إلى مكاسب مهما كان الثمن، فمحاولة الاغتيال أعادت إلى الساحة فكرة البطل الأميركي، وساهمت بسرعة في اتخاذ قرار الحزب الديموقراطي والتفكير جدياً في استبدال بايدن، وبدا الحديث عن ترمب كرئيس قادم لأميركا وكثاني رئيس أميركي يحصل على فترتين رئاسيتين. شعار الرئيس ترمب الذي يدعو إلى إعادة أميركا قوية مرة أخرى أصبح الآن أكثر احتمالاً مع إمكانية كبيرة لترمب ليصبح رئيساً، وهناك من يرى أن قدوم ترمب سوف يغير من الأحداث العالمية في أوكرانيا والتجارة العالمية بل وكوكب الأرض بأكمله خاصة العلاقة مع الصين، ولكن هل هذه هي الحقيقة، في الواقع إن طبيعة السياسة الأميركية طبيعة احتمالية أكثر من كونها طبيعة مطلقة وهذا ما منحها سمة الرشاقة السياسية، والدليل على هذه الحقيقة تقول إن كل التغيرات التي من المحتمل أن يجريها ترمب حول الكثير من القضايا السياسية الدولية سوف تؤثر على المشهد العالمي أكثر بعشرات المرات من تأثيرها على أميركا نفسها. السياسية الأميركية تعيش مرحلة مختلفة، فالانتخابات الأميركية خلال العقد الماضي وحتى اليوم أصبحت مزاداً لبيع الأهداف السياسية الدولية، خاصة أن السنوات الماضية لم تثمر عن أفكار سياسية أميركية ذات بصمة دولية، وهذا ما سمح بأن تسعى السياسة الأميركية إلى فتح مزاد دولي لبيع الأهداف السياسية في أكثر من موقع عالمي سواء حول بحر الصين أو أوكرانيا أو الشرق الأوسط، وهذا ما فعله الرئيس أوباما خلال رئاسته وفعله ترمب خلال فترته الأولى ويفعله بايدن الآن. الناخب الأميركي لا تهمه قضايا الشرق الأوسط أو أي قضايا أخرى، فالسياسية الأميركية أثبتت للعالم أن اختيار رئيسها قضية دولية تهم كل شعوب العالم بدرجة تساوي أهميتها للشعب الأميركي، وهذا أحد أسرار الثقافة السياسية الأميركية التي تسعى اليوم إلى تقديم ترمب الذي يتقدم نحو الرئاسة في العديد من استطلاعات الرأي ويمكنه استعادة الرئاسة الأميركية، على الرغم من كل الفضائح ولوائح الاتهام والسلوك غير المناسب، ومع ذلك فهو يحظى بشعبية تعتمد على أفكاره القومية والشعبوية. رغم كل ما يثار حول شخصية ترمب فهو مازال يمتلك الجاذبية القادرة على منحه المغفرة من الشعب الأميركي رغم كل أخطائه، فبعد نجاته من محاولة الاغتيال أصبح هناك جمهور أميركي يعتبر ترمب معصوماً من الخطأ وصادقاً، فالقدر في حادثة الاغتيال سوف تجعل من مناصريه اعتباره قائداً منقذاً يمتلك قدرات فريدة لحماية المجتمع الأميركي من التهديدات الداخلية أو الخارجية. إذا فاز ترمب بولاية ثانية فستكون (الترمبية) أحد أهم المفاصل التاريخية التي عاشتها أميركا، فهي حركة ارتبطت بشكل وثيق برجل واحد غيّر الحزب الجمهوري بشكل شامل وسيطر على الحزب الجمهوري خلال السنوات الماضية بلا منازع رغم كونه آتٍ من خلفية تجارية إلا أنه استطاع أن يكون الوجه الفريد للسياسة في الحزب الجمهوري وبلا منازع مدفوعاً بشعاره المميز (لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى).