يحيي الحلف الأطلسي هذا الأسبوع في واشنطن الذكرى ال75 لتأسيسه، لكن القمة المقررة التي كان يفترض أن تعكس صورة تحالف عسكري أقوى وأكبر، تعقد في ظل غموض بشأن أوكرانيا وبلبلة سياسية من جانبي المحيط الأطلسي. وفي هذه المناسبة سيحوّل الرئيس الأميركي جو بايدن اهتمامه عن الحملة الانتخابية العسيرة التي يخوضها بعد أدائه الكارثي في مناظرة تلفزيونية مع خصمه الرئيس السابق دونالد ترمب، ليستقبل قادة دول الحلف ال32 لثلاثة أيام اعتبارا من الخميس. كما يحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القمة بعد زلزال سياسي شهدته بلاده في الانتخابات . وتتجه الأنظار أيضا إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، بعد الجدل الذي أثاره بقيامه الجمعة بزيارة إلى موسكو التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين. وتلقي هذه السلسلة من الأحداث بظلالها على المحادثات بين قادة الحلف الأطلسي خلال جلسات العمل ومأدبة العشاء الرسمية واللقاءات الثنائية على هامش القمة. وقال مسؤول أوروبي الأسبوع الماضي طالبا عدم كشف اسمه "هناك الكثير من الأحاديث والشكوك على خلفية الأوضاع الداخلية لكل بلد"، وسيكون هدف القمة "تبديد هذه الهواجس". وسيحرص قادة الحلف الذي تأسس عام 1949 بهدف تأمين دفاع مشترك بوجه الاتحاد السوفياتي والذي توسع مؤخرا مع انضمام فنلنداالسويد على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا، على إثبات وحدة صف. ويبقى السؤال الكبير المطروح خلال القمة التي سيحضر إليها أيضا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أي رسالة يمكن توجيهها لكييف تحديدا. مناقشات حول انضمام أوكرانيا ويلوّح قادة الحلف باحتمال انضمام كييف مستقبلا، وذلك منذ قمة فيلنيوس العام الماضي التي لم يحصل زيلينسكي خلالها على التزام حازم بهذا الشأن. غير أنهم غير مستعدين لإصدار دعوة فعلية للانضمام طالما أن أوكرانيا في حرب مع روسيا. ورأى مصدر دبلوماسي أوكراني مؤخرا أن "فرص حصولنا على دعوة للانضمام إلى الحلف الأطلسي قريبة من الصفر" في ظل معارضة واشنطن وبرلين. عوضا عن ذلك، تتحدث الولاياتالمتحدة عن دعم يسمح بمد "جسر نحو الانضمام"، بناء على برنامج قوي من المساعدات والاتفاقات الدفاعية الثنائية، فما تدعو عدة بلدان أوروبية إلى إدراج انضمام "لا رجوع عنه" في البيان الختامي. وأقرت مصادر دبلوماسية بأن الموضوع "ما زال قيد النقاش". وأكد مسؤول أميركي كبير أن المطلوب هو "أن تكون أوكرانيا مستعدة، مستعدة حقا، منذ اليوم الأول، للارتباط بباقي الحلف حين يتفق الحلفاء ال32 على انضمامها". ومن القرارات المرتقبة تولي الحلف الأطلسي تنسيق المساعدة العسكرية الغربية لأوكرانيا، وهي مهمة تتكفل بها الولاياتالمتحدة حاليا. وستكون هذه سابقة بعدما أبدى الحلفاء حتى الآن تحفظات حول كل ما يمكن أن يفسر على أنه تصعيد مع روسيا. كما يفترض أن يقر الحلف رسميا دعما عسكريا لأوكرانيا بقيمة 40 مليار يورو في السنة وإمدادها بوسائل دفاع جوي جديدة، وفق ما أورد دبلوماسيون. عين على آسيا ويدعو الأمين العام المنتهية ولايته للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ الذي سيخلفه الهولندي مارك روته في أكتوبر، إلى إضفاء طابع "مؤسساتي" على دعم الحلف. والهدف أيضا هو حماية الحلف من المتغيرات السياسية في ضفتي الأطلسي، في وقت يتخوف الحلفاء الأوروبيون من احتمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وهو المعروف بمواقفه التي "لا يمكن التكهن بها". واستجاب الأوروبيون في هذه الأثناء للدعوات إلى زيادة إنفاقهم العسكري، وهو ما سيشدد عليه الحلف هذا الأسبوع. والموضوع الآخر الكبير المطروح سيكون اليد الممدودة للدول الشريكة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع دعوة قادة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا للمشاركة في القمة الخميس إلى جانب الاتحاد الأوروبي. ويحصر الحلف الأطلسي نطاق عمله جغرافيا بمنطقة أوروبا والمحيط الأطلسي، لكن الولاياتالمتحدة دعت مرارا الحلف للتصدي لتصاعد النفوذ الصيني. وترى دول مثل فرنسا أن لا دخل للحلف في هذه المنطقة، لكنها تدعوه إلى توسيع تعاونه من خلال الانخراط أكثر في مجالات مثل الإنترنت والفضاء التكنولوجيا. ومن المتوقع أن تصدر القمة إدانة حازمة للدعم الصيني لروسيا الذي يسمح برأي الدول الغربية لموسكو بالاستمرار في مجهودها الحربي. عدد الكتائب في الحلف تنتمي القوات المسلحة التابعة لحلف الأطلسي الى دوله الأعضاء، وتشرف عليها قيادة موحدة للحلف في كل مرة يتم إطلاق مهمة. وتشكل القوات الاميركية الكتيبة الأكبر من دون منازع وتنتشر في أوروبا عبر 79 الف رجل وامرأة، أكثر من 48 الفا منهم في ألمانيا، وفق وزارة الدفاع الأميركية. والمعدات العسكرية الوحيدة التي يملكها الحلف بالمعنى الفعلي هي أسطول من طائرات الاستطلاع من طراز "إواكس" وطائرات مسيرة. ومع انضمام السويد الى الحلف في مارس، أضيف 50 الف جندي، نحو نصفهم من الاحتياط، الى القوات المسلحة التي يمكن للحلف أن يعول عليها والتي يقدر عديدها الكامل بأكثر من ثلاثة ملايين عسكري، بحسب العديد من المعاهدة المتخصصة. لمحة تاريخية تأسس حلف شمال الأطلسي بموجب معاهدة وقعت في الرابع من ابريل 1949 في واشنطن. وكانت الغاية الرئيسية منه احتواء الخطر السوفياتي وتأكيد مبدأ التضامن المتبادل بين جميع أعضائه. ومنذ قمة مدريد التي اعقبت الهجوم الروسي لأوكرانيا، تبنى الحلف مفهوما استراتيجيا جديدا يعتبر أن روسيا هي "التهديد الأكثر خطورة لأمن المنطقة الأوروبية-الأطلسية". وأضيفت الى مؤسسيه الإثني عشر، الولاياتالمتحدة وبلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا والمملكة المتحدة وآيسلندا وايطاليا ولوكسمبورغ والنروج وهولندا والبرتغال، عشرون دولة أخرى مع الأعوام، كان آخرها فنلنداوالسويد. شكلت لندن أولا مقرا للحلف قبل أن ينتقل الى باريس، ثم الى بروكسل العام 1966. وتقع قيادته العسكرية في مونس البلجيكية أيضا. يشغل رئيس الوزراء النروجي الأسبق ينس ستولتنبرغ (69 عاما) أمانته العامة منذ 2014. وتنتهي ولايته في اكتوبر المقبل على أن يخلفه رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته (57 عاما). وتتمثل الهيئة التنفيذية الرئيسية للحلف في مجلس شمال الأطلسي. أبرز ما قام به الحلف تعتبر المادة الخامسة من معاهدة إنشاء الحلف العمود الفقري للمنظمة، إذ تنص على أن أي هجوم تتعرض له دولة عضو يعتبر هجوما على جميع الأعضاء. وتم اللجوء الى هذه المادة للمرة الأولى العام 2001 دعما للولايات المتحدة غداة الاعتداءات الإرهابية التي استهدفتها في 11 سبتمبر. على مدى تاريخه، أطلق الحلف مهمات عدة بينها تلك التي نفذها في أفغانستان بعد 11 سبتمبر 2001. وقد انتهت في سبتمبر 2021 مع تعبئة نحو عشرة آلاف جندي حتى ذلك التاريخ. والحلف موجود أيضا في العراق، وكذلك في كوسوفو عبر نحو 4500 عنصر ينتمون الى 27 بلدا. نفقات حلف الأطلسي غير كافية في مواجهة التهديد الروسي وشبح عودة دونالد ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض، تنفق الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي على دفاعها أكثر مما فعلت في أي وقت مضى في تاريخها. لكن التزامها هش ويخضع للتقلبات الانتخابية، وهو بدون شك غير كاف في عالم يزداد خطورة. يثير فوز ترمب المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر، هو الذي وصف في السابق حلف الأطلسي بأنه منظمة "عفا عليها الزمن"، قلقا في بروكسل والعديد من العواصم الأوروبية. يهاجم ترمب بانتظام الجهات "التي لا تدفع كثيرا" في أوروبا ملمحا الى أنهم لن يستفيدوا بعد الآن من الحماية الأميركية إذا لم يسددوا فواتيرهم. وهو ليس أول رئيس أميركي يدين عدم التزام الأوروبيين بتأمين دفاعهم عن أنفسهم. لكنه كان "صريحا جدا ومباشرا للغاية في انتقاداته للحلفاء" كما ذكر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في مقابلة مع وكالة فرانس برس الأسبوع الماضي. للرد على هذه الانتقادات، حدد حلف شمال الأطلسي في 2014 هدفا للتكتل هو تخصيص 2% على الأقل من إجمالي ناتجه الداخلي للنفقات العسكرية. وقبل عشر سنوات، كانت ثلاث دول فقط تحترم هذه العتبة، وباتت اليوم 23 من أصل 32. أكبر منظمة عسكرية للدفاع المشترك والنفقات غير كافية