الترشيد سلوك حضاري خلاق لاسيما ما يتعلق في أقوى وأعتى عنصرين في الحياة الماء والكهرباء وكيف أنها أمست صراع الأمم على مر التاريخ وحتمية توافرها، إذ يبذل الإنسان الغالي والنفيس من أجل الحصول على ثروة الإنسان الأزلية، لذلك فإنه ينبغي التعامل معها بصيغة الحلال أي أنها حلالك، وكيف تحافظ عليه ولا تفرط فيه، تغيير النمط السلوكي المرتبط بالاستهلاك يتطلب المزيد من بذل الجهود المعرفية لسبر أغوار منافع هذين العنصرين والاستفادة بهما من خلال احتوائهما والمقاربة المعنوية بين الثروة وحسن التدبير، إلى ذلك فإن الرفع من المستويات وتصويب المفاهيم يتطلب عملاً جاداً، ويحمل قيمة روحية تفضل بها المنان سبحانه على عباده الماء والكهرباء، الإعلام والتعليم فرس الرهان في هذه المرحلة والتصدي لتفعيل البرامج الخلاقة أمر في غاية الأهمية، وحبذا لو تم تخصيص يوم في السنة للتذكير والتركيز وإبراز الأمثلة الحية لجدوى أهمية الترشيد الاستهلاكي وأخص بالذكر الماء والكهرباء واسترجاع ذكريات الماضي وكيف كان الإنسان يعاني الأمرين للحصول على الماء وبشق الأنفس، ناهيك عن حروب الطاقة التي تبلي بلاء غير حسن وما تخلفه من ترقب وخوف وعدم سعادة للناس، على حين أن التذكير يقود إلى التأمل واستيعاب المعاني النبيلة لهذين العملاقين ودورهما المؤثر في نمو البشرية والأهداف الخيرة، يوم للترشيد يعرض فيه كيف كان الحصول على الماء والكهرباء في ذلك الوقت في غاية الصعوبة وكيف يتم استخدامه الاستخدام الأمثل رغم الشح وقلة الموارد؟ إذ إن تنوير الأجيال والرفع من المستويات الأخلاقية والسلوكية جل ما تصبو إليه الأمم الصادقة مع نفسها ومع الغير، إن مزج القيم الأخلاقية في الحياة العامة هدف نبيل ومن الضرورة بمكان، وقد يفهم البعض الترشيد في الاستهلاك كأن يوحي بالعجز وهو خلاف ذلك ويؤول تأويلاًَ خاطئاً موحياً التصور بعدم القدرة على توفير الشيء أو العجز عن تأمينه، غير أن من سمات الرقي والتقدم أن تكون مهيأ لكل الاحتمالات، الترشيد بمفهومه الشامل لا يعني فقط في المأكل والملبس ونحو ذلك بل إنه قيمة روحية ومعنوية في التفكير في الكلام في النوايا الطيبة يعزز من ذلك غزارة الحكمة التي تحفه من كل جانب، والإدراك الكامل بإيجابية العمل عطفاً على انعكاسه وتأثيره على الاقتصاد، لأنه بذلك يساهم في قوة الاقتصاد واستقراره، حيث إن الفرد بالعمل الصغير والمفهوم الكبير يخفف الضغط على ضخ الكميات المطلوبة من المياه عبر محطات التحلية، والتي بلا ريب تكلف الكثير لاعتمادها على الطاقة، وتبعاً لذلك فإن التكاليف ستقل، ناهيك عن أهمية ترشيد الطاقة والكهرباء تحديداً، وكنا نشاهد كبار السن قديماً يقومون بإطفاء الأنوار خصوصاً إذا كان المكان خالياً، فيسيطر على الذهن البخل بثوبه القبيح، فيخيل لنا بأن هذا بخل وتوفير الطفسة والريالات التي ربما لا تتجاوز عدد أصابع اليد، غير أن المفهوم الراسخ للكبير سناً سبق تصورنا والذي لم يدركه فهمنا الناشئ، من هنا بات التعليم والتنوير أمراً ملحاً، أولاً امتثالاً لأمر الله عز وجل بعدم التبذير والإسراف وهذا ما يحتم تكثيف الجرعات الإعلامية والعلمية ومؤازرة مرافق الدولة الكريمة أيدها الله التي لا تألو جهداً في الحث على الترشيد، ثانياً فإن هناك من هم في أمس الحاجة إلى الطاقة وعدم حرمانهم منها من خلال الضغط على محطات الكهرباء، وبالتالي فإن السعر زهيد ولكنه بصيغة الجميع كبير في القيمة ومؤثر إذا رأيت الأمر من زواياه المختلفة، ولا ريب أن ذلك يدفع باتجاه الصالح العام من خلال دعم المجالات الأخرى كالصحة والتعليم والصناعة وغيرها من روافد التنمية المباركة بإذن الله، إذ إن المسألة ليست عجزاً أو عدم قدرة، بقدر ما هو حسن تدبير ومثال وطني صادق ينطوي ويؤسس للتكامل في هذا الاتجاه، فإذا كان الإنسان يساهم مع أسرته الصغيرة في شق دروب الحياة، فإن الوطن هو الأسرة الكبيرة والمساهمة مع هذه الأسرة الكبيرة تتمثل في التناغم مع أهدافها ومن ضمنها بلا ريب المحافظة على المكتسبات، دعني أسوق أمثلة بسيطة ومتداولة في حياتنا اليومية وربما يعتبرها البعض من الأسباب الصغيرة وليست ذات أثر، وتجد الواحد أثناء حلاقة ذقنه يفتح الماء على مصراعيه ولا يكتفي بكأس صغير لتنظيف ماكينة الحلاقة بل وتجده وخلال انهمار الماء بغزارة وهدره بهذه الطريقة يغني ما أطولك ليل، ويزعل ويخرطم وفي رواية يمد بوزه شبرين عند انقطاع الماء وهو من ضمن الأسباب التي أدت إلى انقطاعها، ناهيك عن جيش الليات الصفراء والحمراء والزرقاء في الأحواش والأسطح وهي تتراقص طرباً لاسيما بين العصر والمغرب "ليست شقراء ومياله بل منيلة بستين نيله" على رأي إخواننا المصريين، إذ من الممكن سطل اثنين ثلاثة أو أكثر يفون بالغرض، ناهيك عن دور شركات القطاع الخاص في التذكير من خلال عبارة أو صورة على منتجاتها تحث على الترشيد ففضلاً عن كون ذلك واجباً وطنياً فإنه من منظور اقتصادي سيخدمهم هذا التوجه لأنه سيساهم في انخفاض أسعار الطاقة، وبالتالي فإن الوفر سيكون فال خير على الجميع، ولعلنا نجد ضالتنا في الذكاء الاصطناعي لكي يساهم في تيسير حلول ليكون المبنى ذكياً وصاحب المبنى ذكياً كذلك، فتعاون الجميع بهذا الصدد في غاية الأهمية وبالله التوفيق.