على رسلكم فلا تفهموا مضمون المقال من عنوانه مباشرة، وتحكموا سريعاً على كاتب المقال قبل إنهاء آخر حرف فيه، فقصة العنوان تعود إلى قبل أيام حيث أرسل لي أحد الأصدقاء برسالة إلكترونية، وكان يطلب مني رأيي حولها، الرسالة تضمنت لوحة مختصرة لأحد المدربين في الحياة الزوجية، أُجري معه لقاء تلفزيوني مختصر ما قال: «الزوجة لو ضربتك يحق لها ما لا يحق لغيرها، فلا كرامة في الحياة الزوجية»، لا أدري عن دقة نقل كلام المدرب باختصار، إلا أني بداية فكرت بطريقة إيجابية في محاولة فهم ما كان يرمي إليه المدرب ويود إيصاله للمتلقين، فربما المدرب أراد أن يوصل رسالة إلى الأزواج، لكنه لم يوفق فيها، فالطريقة غير سليمة، ربما أراد أن يدعو إلى شيء من التنازلات والرفق بين الزوجين، وتمرير بعض المواقف المتشنجة، لكنه حقيقة لم يكن موفقاً البتة فيما ذكر. عموماً من غير المعقول والمنطقي قبول قصة «أن تضرب الزوجة زوجها» دون أن يكون هناك تفسيرات لمثل هذا الأمر الذي يتناقض مع فطرة المرأة، ويخالف أنوثتها، ويتعارض مع تركيبتها العاطفية، فالأمر لو حدث، فهو يشير إلى أن هناك خللاً ما في شخصية الزوجين معاً الضارب والمضروب، فالزوج المضروب هنا، لعله يعاني من ضعف في شخصيته، وقد يكون مصاباً باضطراب في شخصيته بما يجعله «مازوخياً» يستلذ بتعذيب الآخرين له وتعنيفهم ولهذا فهو يتقبل أن يُعنف، أما الزوجة الضاربة لزوجها، فربما تعنيفها لزوجها يعود إلى معرفتها بضعف شخصية الزوج، وقد يعود لاضطراب سلوكي في شخصيتها، له ارتباط قد يكون متعلقاً بالسلوك «السادي» الذي يعطيها إحساس اللذة بتعنيف الآخر، وربما هي نتاج لتربية أسرية تربت من خلالها وفق أساليب فيها عنف وضرب وقمع في صغرها، وعلى ذلك تشكلت شخصيتها وفق الأجواء التي عاشتها قبل الزواج، وربما لشعورها هي بالفوقية على زوجها، إما لوضعها الاجتماعي، أو لشعورها بأنها تمتلك الاستقلال المادي، وقد يعود لتأثرها بشعارات التيار النسوي الذي يرفع شعار «إذا ضربك زوجك اضربيه، وإذا قال لك اذهبي يميناً خالفيه واذهبي يساراً، وإذا قلع عينك فاقلعي عينيه الاثنتين، وإن زاد أمره فاخلعيه» كوني حرة قوية مستقلة!! على كل حال قبول أي زوج لتعنيفه من قبل الزوجة، أو ضربها له، لا يشير إلى أنه زوج طبيعي، ولا هي كذلك زوجة طبيعية، فالزوج الطبيعي بدون أدنى شك، ستكون ردة فعله، فيما لو تلقى تعنيفاً جسدياً من زوجته قاسية وعنيفة من منطلق أنه الرجل وسيد البيت وقائده ومدبر شؤونه فكيف يضرب؟ وسيكون على استعداد لدفع أي ثمن باهظ مقابل أن يسترد معها ما شعر بأن كرامته قد أهدرت، نعم أنا أتفهم أن الزوجة قد تمر بحالة مزاجية لمتغيرات تطرأ عليها أو لسوء تعامل مع الزوج في موقف قد تفقد معه أعصابها، فتصرخ، أو تبكي بصوت عالٍ، أو تكسر إناء بيدها، أو تضرب طفلها القريب منها، كردة فعل على أي موقف غاضب بينها وزوجها، وقد فعلتها أمنا عائشة رضي الله عنها في موقف نستدل من خلاله حلم النبي صلى الله عليه وسلم وكيف عالج الموقف، عندما صكت بيدها رضي الله عنها يد الخادم الذي أتى بصحفة طعام من أمنا أم سلمة رضي الله عنها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «غارت أمكم غارت أمكم»، فهذه ردة فعل قد تكون طبيعية، لكن أن تقوم أي زوجة اليوم برمي زوجها بالصحن أو تقوم بالاعتداء عليه بيدها وضربه؛ فهذا من غير الطبيعي، فأعتقد أن هذا خطأ سلوكي كبير يجب تحليله وفق ما سلف أعلاه. كلنا نعلم أنه لا يجوز شرعاً ضرب الزوج لزوجته، إلا عندما يصدر منها فعل فيه «نشوز» تعلن من خلالها عصيان الزوج وعدم طاعته، وهذا لا يأتي كوسيلة للتأديب إلا بعد الوعظ والهجران، ثم يأتي الضرب غير المبرح فقط للتنبيه والتحذير قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن)، والضرب هنا ليس غاية، وليس فيه إفراط وليس في الآية كما قد يفهم دعوة لضرب النساء، لكنها تحمل أسلوباً رفيعاً متدرجاً في تأديب الزوجة كي تستمر الحياة الزوجية. ختاماً، ليس كل مدرب مدرباً، ولا كل خبير خبيراً في كثير من الأمور، فمثل هذه الآراء المنفلتة من عقال العقل والحكمة قد تأتي بالكوارث، فالكرامة إن ذابت بين الأزواج فماذا بقي من عماد ليبقيها متماسكة، فنحن ندعو إلى أن تبقى بيوتنا مسكونة بالسكن والاستقرار والمودة والرحمة.