مع حلول معسكره ثانياً في الانتخابات التشريعية متقدماً على اليمين المتطرف، تجنب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الهزيمة النكراء المتوقعة له، إلا أن المستقبل يبدو معقداً على الصعيدين الداخلي والدولي. وتتوقع معاهد استطلاعات الرأي حصول التحالف المؤلف من حزب "النهضة" الرئاسي وحلفائه الوسطيين على 150 إلى 180 مقعداً في الجمعية الوطنية، خلف تحالف اليسار (171 إلى 187). وهو تقدم خصوصاً على التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي كان يتوقع أن يحقق فوزاً كبيراً لكنه حل في نهاية المطاف في المرتبة الثالثة بسبب تشكل "جبهة جمهورية" للتصدي له في الفترة الفاصلة بين الدورتين الانتخابيتين. إلا ان معسكر ماكرون الذي كان يتمتع بغالبية نسبية من 250 نائبا في الجمعية الوطنية السابقة، بات يعاني ضعفا. فرئيس البلاد يواجه استياء حتى في صفوف معسكره منذ قراره المفاجئ الذي اتخذه بشكل يكاد يكون متفرداً، بحل الجمعية الوطنية في التاسع من يونيو بعد الهزيمة الكبيرة في الانتخابات الأوروبية. وبات استئثاره بالقرارات، موضع انتقاد علني. فقال رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال الذي قاد حملة الانتخابات في هذا المعسكر ويمكنه أن يعتد بنتائجها، الأحد "حل (الجمعية الوطنية) قرار لم اختره لكني رفضت الاستسلام لتداعياته". وسيضطر ماكرون الذي أكد قبيل إعادة انتخابه في 2022 أن فرنسا لا تتمتع "بنظام برلماني"، إلى التعامل مع خصوم لا يمكنه من دونهم الحصول على غالبية ولو نسبية. وتنفس المعسكر الرئاسي الصعداء نوعا ما جراء نتيجة الأحد. وقالت أوساط رئيس البلاد إن "الكتلة الوسطية حيّة" مشددة على ضرورة "توخي الحذر" في تحليل النتائج. لكن خلافا للخطط الرئاسية، لم ينقسم اليسار، أقله خلال فترة الانتخابات، بل انطلق موحد الصفوف تحت راية الجبهة الشعبية الجديدة. وباتت الولاية الثانية والأخيرة للرئيس الفرنسي الذي وعد بالقضاء على الميول المتطرفة في البلاد عند انتخابه العام 2017، مدموغة بتقدم غير مسبوق لليمين المتطرف الذي يتوقع حصوله على 134 إلى 152 نائباً. وفيما يلي المتوقع بعد الانتخابات البرلمانية الفرنسية التي جرت أمس الأحد والتي ستؤدي على الأرجح إلى برلمان معلق مع تحالف يساري في المقدمة ولكن دون أغلبية مطلقة. ماذا حدث في الجولة الثانية من الانتخابات؟ كان تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري في طريقه للفوز بأكبر عدد من المقاعد، وفقا للنتائج المتوقعة في استطلاعات الرأي، لكنه لن يصل إلى 289 مقعدا اللازمة لضمان الأغلبية المطلقة في مجلس النواب. وتشكل النتيجة هزيمة قاسية لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي كان من المتوقع أن يفوز في الانتخابات لكنه عانى بعد أن عمل حزب الجبهة الشعبية الجديدة وكتلة معا للرئيس إيمانويل ماكرون بين الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات لخلق تصويت مضاد للتجمع الوطني. وأظهرت التوقعات أن حزب التجمع الوطني اليميني حل ثالثا في الانتخابات بعد تكتل معا. ويعني ذلك أن أيا من الكتل الثلاث لن تتمكن من تشكيل حكومة أغلبية وستحتاج إلى دعم من الآخرين لتمرير التشريع. هل سيتشكل تحالف يميل نحو اليسار؟ فرنسا ليست معتادة على ذلك النوع من بناء التحالفات في مرحلة ما بعد الانتخابات، وهو أمر شائع في الديمقراطيات البرلمانية في شمال أوروبا، مثل ألمانيا أو هولندا. وقال السياسي اليساري المعتدل رافائيل جلوكسمان، وهو مشرع في البرلمان الأوروبي، إن الطبقة السياسية يجب أن "تتصرف مثل البالغين". واستبعد جان لوك ميلينشون، زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري، تشكيل ائتلاف واسع من الأحزاب ذات التوجهات المختلفة. وقال إن من واجب ماكرون أن يدعو التحالف اليساري إلى الحكم. وفي معسكر الوسط، قال رئيس حزب ماكرون، ستيفان سيجورن، إنه مستعد للعمل مع الأحزاب الرئيسية لكنه استبعد أي اتفاق مع حزب ميلينشون. كما استبعد رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب أي اتفاق مع الحزب المنتمي لأقصى اليسار. ماذا يحدث إذا لم يكن هناك اتفاق؟ ستكون هذه منطقة مجهولة بالنسبة لفرنسا. وينص الدستور على أن ماكرون لا يمكنه الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل 12 شهراً أخرى. وينص الدستور على أن ماكرون هو الذي يختار من سيقوم بتشكيل الحكومة. لكن من سيختاره سيواجه تصويتا بالثقة في الجمعية الوطنية، التي ستنعقد لمدة 15 يوما في 18 يوليو تموز. وهذا يعني أن ماكرون يحتاج إلى تسمية شخص مقبول لدى أغلبية المشرعين. ومن المرجح أن يأمل ماكرون في إخراج الاشتراكيين والخضر من التحالف اليساري، مما يترك حزب فرنسا الأبية بمفرده، لتشكيل ائتلاف يسار وسط مع كتلته. ومع ذلك، لا يوجد أي مؤشر على تفكك وشيك للجبهة الشعبية الجديدة في هذه المرحلة. وهناك احتمال آخر هو تشكيل حكومة تكنوقراط تدير الشؤون اليومية ولكنها لا تشرف على التغييرات الهيكلية. ولم يتبين إن كانت كتلة اليسار ستدعم هذا التصور الذي سيظل يتطلب دعم البرلمان. ماكرون يطلب من رئيس الوزراء البقاء في منصبه طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين من رئيس الوزراء غابريال أتال الذي أتى لتقديم استقالته، البقاء في منصبه "في الوقت الراهن لضمان استقرار البلاد" على ما أعلن القصر الرئاسي. وأضافت الرئاسة غداة الانتخابات التشريعية التي شهدت فوز تحالف اليسار أمام المعكسر الرئاسي ومن بعده اليمين المتطرف، أن ماكرون "شكر (أتال) على قيادته حملتي الانتخابات الأوروبية والتشريعية". الكتل الثلاث لن تتمكن من تشكيل حكومة أغلبية