في مجال الرعاية الصحية، لم يعد الزواج بين الذكاء الاصطناعي والطب مجرد رؤية مستقبلية، بل بات أقرب إلى واقع ملموس، من شأنه أن يعيد تشكيل قطاع الرعاية الصحية بأكمله. وفي خضم التحول الوطني الذي تشهده السعودية، والثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، من الضروري أن ندرك ونحتضن القوة التحويلية التي سيضيفها الذكاء الاصطناعي إلى هذا القطاع الحيوي. إن إدخال الذكاء الاصطناعي إلى مجال الرعاية الصحية وإعتماده ليس مجرد ترند؛ بل سيصبح في المستقبل القريب من الضروريات. تتطلب البيانات الطبية الحديثة المعقدة، إلى جانب الطلب المتزايد على أنظمة الرعاية الصحية محلياً وعالمياً، حلولاً مبتكرة. وبقدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعات غير مسبوقة وبدقة ملحوظة، يمثل الذكاء الاصطناعي بريق أمل وحبل نجاة. لا يقتصر الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية على التشخيص والعلاج فحسب؛ بل يتعلق الأمر أيضًا بالوقاية والرعاية الاستباقية. ويمكن للتحليلات التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحديد مجموعات المرضى المعرضين للخطر الشديد، مما يسمح لمقدمي الرعاية الصحية بالتدخل المبكر الحد من ظهور الأمراض المزمنة. ويتمتع هذا التحول - من الرعاية التفاعلية إلى الرعاية الاستباقية - بالقدرة على إحداث ثورة في نتائج الصحة العامة، محلياً وعالمياً. إحدى أهم مساهمات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، قدرته على تعزيز قدرات المتخصصين في الرعاية الصحية. من خلال المساعدة في التشخيص والتنبؤ بنتائج المرضى وتخصيص خطط العلاج. ويشكل الذكاء الاصطناعي مساعد قيم للأطباء، يمكّنهم من اتخاذ قرارات أفضل وأكثر استنارة وتحسين نتائج مرضاهم خلال رحلتهم العلاجية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تبسيط المهام الإدارية، مما يسمح لمقدمي الرعاية الصحية التركيز بشكل أكبر على رعاية المرضى، وبالتالي تعزيز الكفاءة الشاملة داخل مؤسسات الرعاية الصحية، وتعزيز المهام الإنسانية التي يتمحور حولها الطب، كالتعاطف والاهتمام واللمسة الإنسانية. ومع ذلك، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية لا يخلو من التحديات والاعتبارات الأخلاقية. تعد المخاوف الأخيرة التي تناولتها منظمة الصحة العالمية في تقريرها عن الذكاء الاصطناعي بشأن خصوصية البيانات، والتحيزات الخوارزميات، واحتمال خفض اليد العاملة البشرية، قمة جبل الجليد. ومع ذلك، فإن هذه التحديات ليس من المستحيل التغلب عليها. فمن خلال تنفيذ أطر قوية لحوكمة البيانات، وضمان الشفافية في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وإعطاء الأولوية للتدريب والتعليم المستمر لمتخصصي الرعاية الصحية، يمكننا التخفيف من هذه المخاطر وتعزيز بيئة من الثقة والمساءلة. بالإضافة إلى ذلك، يعد الوصول الحر لتقنيات الذكاء الاصطناعي أمرًا أساسيًا لضمان الوصول العادل للرعاية الصحية الجيدة. ومع الوعود الهائلة بمستقبل أفضل، فإن فوائد الذكاء الاصطناعي يجب أن تصل إلى جميع شرائح المجتمع، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي أو موقعهم الجغرافي. وتشكل المبادرات الهادفة إلى تقليص الفجوة الرقمية وتعزيز التنمية الشاملة للذكاء الاصطناعي، خطوات أساسية في هذا الاتجاه. من خلال تبني الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، فإننا لا نستبدل الخبرات البشرية؛ بل نعمل على تعزيزها، وفتح آفاق جديدة في الطب، وإحداث تحولا جذريا في رعاية المرضى، وقيادة الابتكار الطبي... وإنقاذ الأرواح. إن مستقبل الطب يكمن في التآزر بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي! *مدير الخدمات الاستشارية في المنطقة العربية في هيوستن ميثوديست للخدمات الصحية العالمية