هي ظاهرة قديمة قدم التاريخ الإنساني، فمنذ القدم نجد أن البشر يستمتعون بالصراعات والخلافات، وفي حال لم يجدوا ما يتصارعون عليه فإنهم يختلقون أسباباً للصراع حتى يظلوا في دائرة متعة الصراع! فقد وُجدت في التاريخ نظريات عديدة تتحدث عن أن الحياة عبارة عن صراع بين الطبقات المختلفة في المجتمع. وكانت هناك أيضًا نظريات ترى أن الصراع هو بين الحضارات والثقافات المتباينة، بينما نظريات أخرى تعتبر أن الصراع الحقيقي هو بين الحق والباطل، وغالبًا ما أُوِّلت هذه النظرية بتأويلات عقائدية تزعم أن الحق المطلق في جانب معين والباطل المطلق في الجانب الآخر غير أن كلاً يدعي الحق في جانبه والباطل في جانب الآخر على اختلاف مفهوم الحق والباطل الذي يختلف من فرد لفرد ومجتمع لمجتمع ومن حضارة لحضارة. ومع تطور الوعي والفكر البشري، حاولت شريحة من النخب الفكرية المستنيرة إخراج البشرية من وهم الصراعات والنزاعات المختلفة، وأكدت على أن الحياة تكاملية بين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية، وكذلك بين الحضارات والثقافات المتعددة، حيث أثّرت هذه الحضارات والثقافات ببعضها البعض من خلال تبادل المعارف والاكتشافات والحوار الحضاري. ولا شك أن التطور الهائل الذي حققته البشرية في كافة المجالات لم يكن ليتحقق لو أن الواقع كان مجرد صراعات طبقية أو حضارية أو ثقافية أو عقدية كما اعتقد البعض على مر العصور. فمع وجود بعض الصراعات المؤسفة في التاريخ الإنساني، إلا أن جذورها كانت سياسية في الغالب، وليس طبقية أو ثقافية أو عقدية كما يحاول البعض تصويرها، -والدليل على ذلك- أن الغرب عندما غزا العالم الشرقي لم يتجه مباشرة نحو مكةالمكرمة التي تُعد أقدس بقعة للمسلمين. وإذا نظرنا إلى الديانات السماوية، فإننا نجد أن نظرية الأخوّة الإنسانية هي النظرية الحقة والمقدسة التي يجمع عليها أتباع الديانات المختلفة، على الرغم من محاولات بعض المتطرفين في مختلف الأديان تغييب هذه النظرية وإشعال نار الصراعات الدينية بينما نشأت تلك الديانات على أساس التسامح والرحمة. ومن المهم الإشارة إلى أن الغرب تعلّم من الشرق في أصل المعارف والعلوم منذ نشأة الخليقة، وبعد ذلك تعلم الشرق من الغرب، ولا يزال الغرب في المقدمة، ولكن لا يمكن إنكار حاجة الغرب الماسة للمكوّن الشرقي في جوانب عديدة كالطاقة والقوى العاملة والمساحة الجغرافية والقوة الشرائية على المستوى الفردي والنظامي. وعليه، فإن المكون الغربي هو الوجه الآخر للمكوّن الشرقي، ولا يمكن تصور غرب دون شرق أو شرق دون غرب. ومؤخرًا، استيقظ الوعي البشري المستنير على حقيقة مفادها أن الحياة تكاملية وأن الإنسان لا غنى له عن الآخر، فالإنسان عبارة عن جزء من الآخر في الإطار العام وليس الشخصي. والسؤال المطروح هنا هو: هل ستتمكن هذه الشريحة المستنيرة النخبوية من التأثير على بقية سكان المعمورة وقيادة البشرية إلى حياة آمنة ومسالمة بعيدًا عن صراعات الجهل والتطرف؟