في عصر يتسم بتقدم التكنولوجيا والسباق المحموم نحو التسلح، يبرز السؤال حول موقف الشريعة الإسلامية من الأسلحة النووية، تلك الأسلحة التي تحمل في طياتها قدرات دمار هائل. الإسلام، دين الرحمة والسلام، وضع قواعد ومبادئ تعظيم قيمة الحياة الإنسانية، محثًا على إعمار الأرض بالخير والسلام. يتجلى هذا الموقف الرصين في آيات القرآن الكريم والسنة النبوية، التي تدعو إلى نبذ العنف والدمار وتحرم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى هلاك الإنسان والبيئة. الإحياء والعمار: ركائز الشريعة الإسلامية تأكيدًا على قيمة الحياة، جاءت آية « وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» كدليل قاطع على فضل إحياء النفس وحرمة إزهاقها بغير حق. هذا المفهوم يضع أساسًا متينًا للموقف الشرعي تجاه السلاح النووي، معتبرًا إنتاجه واستخدامه تهديدًا صريحًا لهذا الفضل العظيم. الشريعة الإسلامية تحض على إعمار الأرض واستغلال مواردها بما يخدم البشرية ويحقق الخير العام، ولا شك أن السلاح النووي يقف على النقيض من هذه المبادئ. فالإسلام دين يسعى لتحقيق السلام العالمي، ويشجع على إقامة الروابط الإنسانية على أساس من التعارف والتألف والتعايش السلمي، كما قال تعالى:»يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا». في هذا السياق، يأتي الرفض الشرعي للسلاح النووي كتأكيد على هذه المبادئ، وكدعوة للتفاهم والتعاون بين الأمم بدلاً من التسلح والتهديد بالدمار. الموقف الشرعي من السلاح النووي ترتكز الشريعة الإسلامية بكل وضوح على رفض صناعة وإنتاج واستخدام السلاح النووي، حيث تعتبر ذلك من قبيل أذية النفس والهلاك الجماعي المنهي عنه شرعًا. «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» آية كريمة تحمل في طياتها الرفض القاطع لكل أشكال القتل الجماعي والدمار الشامل، ومن بينها السلاح النووي. لذلك، يعتبر استخدام هذا السلاح خروجًا عن مبادئ الإسلام السامية وانتهاكًا للحقوق الأساسية للإنسان في الحياة والأمان. خلاصة القول: يجدر بنا التأمل في موقف الشريعة الإسلامية الأولي الرافض للأسلحة النووية، الذي ينبثق من قيم الإحياء والعمار للارض، والسعي نحو السلام والتعايش السلمي بين الأمم. إن دعوة الإسلام لحفظ النفس «وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ «وإعمار الأرض مقصد شرعي « وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا «هي دعوة للبشرية جمعاء، لتجنب مسارات الدمار والعمل معاً من أجل بناء مستقبل يسوده الخير والسلام للجميع. لنجعل هذه المبادئ نبراسًا يهدينا في كل قرار وفعل، خصوصًا في ما يتعلق بالسلاح النووي وغيره من وسائل الدمار الشامل.