أتى موسم الحج يحملُ في طياته الخير والبركة للمسلمين أجمع، موسمٌ يتهافت عليه المسلمون من كل حدبٍ وصوب، وتلتهب قلوبهم شوقًا لرؤية بيت الله الحرام، ففي كل عامٍ يرحل ملايين المسلمين من مختلف أنحاء العالم، مُتجهين نحو مكةالمكرمة حاملين في قلوبهم لهفة الاقتراب من بيت الله الحرام، ليحيوا تجربةً فريدةً من نوعها تتخللها الصلوات والذكر والتضرع لله عز وجل. ومع كل عام يشهد الحج تطورًا ملحوظًا على جميع الأصعدة، ما يجعل هذه التجربة الروحانية أكثر تأثيرًا وأهمية، فمنذ قرون كانت رحلة الحج تمثل فقط ركنًا من أركان الإسلام، حيث كانت تتطلب جهودًا شاقة وموارد محدودة للقيام بها، ولكن في العصر الحديث شهدت هذه الرحلة تحولًا كبيرًا، حيث عملت المملكة جاهدًا لتسهيل وتيسير أداء المناسك وتوفير وسائل الراحة والسلامة للحجاج بشكلٍ لم يكن ممكنًا في السابق. من البنية التحتية المتطورة في مكة والمدينة، إلى الخدمات الطبية المتطورة والتكنولوجيا المستخدمة في تنظيم الحج، حيث أن التحولات التكنولوجية لم تتوقف فقط عند حدود العبادة، بل أصبحت الحجوزات والتنقلات وحتى الاتصالات أسهل وأكثر فعاليةً من أي وقتٍ مضى، مما يسهل على الحجاج الاستفادة القصوى من تجربتهم الدينية. ولكن ليس هذا فقط، فالتطورات الاجتماعية والثقافية أيضًا مرت مرور الكرام على الحج، إذ يُجمع المسلمون من كافة أنحاء العالم في موسم الحج ليصبحوا جزءًا من مجتمعٍ واحدٍ يتجاوز الحدود الجغرافية ويندمج فيه الناس بغض النظر عن أعراقهم وجنسياتهم، وهو ما يعكس قيم التسامح والتعايش السلمي التي تميزت بها هذه التجربة الدينية. كما أن التطورات الملحوظة في رحلة الحج لم تكن محصورة فقط في المناسك والتنظيم، بل حرصت الجهود السعودية على تعزيز الوعي الصحي والتثقيف بين الحجاج، والتشجيع على الممارسات الصحية والوقائية لضمان سلامة الحجاج أجمع، وفي هذا إبراز لالتزام المملكة العربية السعودية بتطوير تجربة الحج بشكلٍ شامل، مما يجعل هذه الرحلة أكثر أمانًا وراحةً وتأثيرًا على حياة المسلمين في العالم أجمع. حيث قامت المملكة بتطوير البنية التحتية الصحية في مكةالمكرمة والمدينة المنورة ومحيط المشاعر المقدسة، بما في ذلك إنشاء مستشفيات جديدة وتجهيز المراكز الطبية الموجودة بأحدث التقنيات الطبية، حيث أشارت وزارة الصحة في بيانٍ لها إلى أن أكثر من 32.000 كادر طبي وإداري تم توزيعهم على مختلف المنشآت والمراكز الصحية، منهم أكثر من 5000 طبيب من مختلف التخصصات لتقديم الرعاية الصحية اللازمة وخدمة الحجاج بصورةٍ مثالية لم تشهدها مواسم الحج السابقة. وقدمت المملكة خدمات صحية تكنولوجية للحجاج كالنظم الإلكترونية لتسجيل الحالات الطبية وتتبع الأدوية والجرعات، وكذلك تقديم الاستشارات الطبية عبر الإنترنت، ونفذت السعودية سلسلة من الإجراءات الوقائية لمنع انتشار الأمراض المعدية، بما في ذلك التطعيمات الإلزامية للحجاج والتوعية بالنظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة الطبية. وأيضًا حرصت حكومتنا على توفير الرعاية الصحية الطارئة في المشاعر المقدسة ومناطق الحج من خلال تجهيز العيادات المتنقلة وفرق الإسعاف والمستشفيات الميدانية، وكذلك خدمات الإسعاف الجوي المُتقدمة لنقل الحالات الطبية الطارئة من وإلى المستشفيات والمراكز الصحية بشكلٍ سريعٍ وفعّال بإذن الله تعالى. وإلى جانب القطاع الصحي اهتمت المملكة أيضًا بتوسيع البنية التحتية وتحسين الخدمات، بما في ذلك إنشاء فنادق جديدة وتطوير مساجد ومرافق الحجاج، وتحسين الخدمات المتعلقة بالنقل والتغذية والإسكان لتلبية احتياجات الحجاج بأفضل شكلٍ وصورة. كما شهد موسم الحج توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات الهاتف الذكي لتسهيل عملية التوجيه والتواصل مع الحجاج، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا في تنظيم الأعداد وتوزيع الخدمات، حيث تميّز حج 2024 بوجود (المرشدين الآليين)، وتم نشر روبوتات ذكية في الحرم المكي والمناطق المحيطة لتوجيه الحجاج، والإجابة عن استفساراتهم، وتقديم الإرشادات اللازمة بالعديد من اللغات المختلفة، مما أدى ذلك لتسهيل الحركة والانتقال لكافة الجنسيات المختلفة في الحرم وحوله. كذلك قدمت السعودية منصات إلكترونية لخدمة الحجاج كتسجيل الحجاج وتوزيع التصاريح الإلكترونية وتقديم المعلومات الهامة حول أداء المناسك. بالإضافة إلى الجانب الأمني، حرصت المملكة على تكثيف الجهود الأمنية والتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة لضمان سلامة الحجاج ومنع أية حوادث أو أعمال تخريبية، كما تم توفير الدعم والإرشاد للحجاج في حالات الطوارئ. ومع التطورات المستمرة في المملكة يومًا بعد يوم، أدى ذلك لعكس التزام المملكة بتقديم الخدمات المتميزة وتحسين تجربة الحجاج وتعزيز مكانتها كأهم الوجهات الدينية في العالم.