كان عام 1343ه عاماً استثنائياً في تاريخ مكةالمكرمة، فهو العام الذي دخل فيه الملك المؤسس عبدالعزيز –طيب الله ثراه– إلى مكةالمكرمة معتمراً بعد أن تم ضم الحجاز إلى مملكته، فقد دخلها في خشوع إلى البيت الحرام من باب السلام وأدى مناسك العمرة، ومن هذا العام حظيت المدينة المقدسة باهتمام بالغ من قبل المؤسس الذي عمل منذ دخوله على تطوير الخدمات كافة فيها، خاصةً ما يتعلق بالمسجد الحرام، فقد تم الاهتمام بعمارته وترميمه وكسوة الكعبة المشرفة، واستمر العمل متوالياً في الأعوام التي تليه حتى بات الحج ميسراً وزيارة البيت العتيق مفتوحة للجميع من أقطار الدنيا كافة في جو من الراحة والطمأنينة والأمن والاستقرار، ولشدة اهتمام المؤسس بالحج وتيسيره للمسلمين كافة فقد كان من عادته أن يشرف على موسم الحج منذ تولي حكم الحجاز، ويقود مواسم الحجيج، ويقيم حفلة سنوية لكبار الحجاج من أنحاء بلاد المسلمين كافة، ويدعوهم إلى مأدبة عظيمة، ويلقي فيها خطبة بليغة يدعو فيها إلى صلاح حال المسلمين ويبصرهم بواقعهم، واستمر الحال في الاهتمام بالحج والحجيج في عهده وفي عهد أبنائه الملوك البررة من بعده، حيث يقوم ملوك هذه البلاد في الإشراف بأنفسهم على الخدمات التي تقدم للحجيج في المشاعر، ويتم تنظيم حفل سنوي لاستقبال كبار الحجاج من الأقطار كافة. شؤون الحج واستمر الحال في تطوير خدمات الحج على مرور السنين، حيث تم استحداث المديرية العامة لشؤون الحج عام 1365ه، والتي واصلت الجهود في عمارة المسجد الحرام وهيأت السبل كافة من أجل راحة الحجيج والمعتمرين والزوار، والتي تحولت فيما بعد إلى وزارة، واستمر العمل على بذل الإمكانات كافة من أجل الرقي بالخدمات التي تقدم للحجاج، فتم تأسيس معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة في عام 1395ه، وهو معهد علمي يتبع جامعة أم القرى بمكةالمكرمة، ويقع مقره الرئيس في مشعر منى، ويختص بتقديم الأبحاث العلمية المتعلقة بتطوير رحلتي الحج والعمرة والزيارة، كما تم تشكيل لجنة عليا للحج برئاسة وزير الداخلية ولجنة الحج المركزية برئاسة أمير منطقة مكةالمكرمة، وفي كل عام تواصل مملكتنا الغالية نجاحاتها في كل موسم من مواسم الحج التي أدهشت وأبهرت العالم أجمع باحترافية الأداء وإدارة الحشود في مساحة صغيرة يجتمع فيها الملايين من الحجاج في وقت واحد. خطط وآليات وتجنِّد المملكة جميع إمكاناتها وطاقاتها في كل عام من أجل استقبال ضيوف الرحمن قاصدي البيت الحرام لأداء مناسك الحج براً وبحراً وجواً، حيث تجري الاستعدادات قبل أشهر من موسم الحج، ويتم وضع الخطط والآليات ومن ثم متابعة تطبيقها، وتشارك العديد من الوزارات في تنفيذ خطط الحج وعلى رأسها وزارة الداخلية حيث يتم تخصيص مئة ألف رجل أمن لحفظ أمن الحجيج، كما تشارك وزارة الصحة بتكثيف استعداداتها، وتعزيز جاهزية مرافقها، لتوفير الرعاية لضيوف الرحمن خلال مواسم الحج في كل العام، وذلك بتهيئة عدد من المستشفيات والمراكز الصحية في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة والمدينةالمنورة، حيث يتم تجهيز 25 مستشفى، و156 مركزًا صحيًّا، زادت سعتها السريرية على خمسة آلاف سرير بمشاركة أكثر من 25 ألف ممارس صحي في تقديم الرعاية الصحية للحجاج، وأعداد 18 نقطة طبية في قطار المشاعر، وتجهيز 180 سيارة إسعاف، وتهيئة 17 مركز طوارئ على جسر الجمرات، كما أن وزارة الصحة تعتني بالحجاج منذ قدومهم من خارج المملكة وتجري لهم الفحوصات اللازمة للتأكد من خلوهم من الأمراض لضمان عدم تفشي الأوبئة بين الحجيج، خاصةً عند انتشار الأوبئة، مما يضمن سلامة الحجيج. خدمات جليلة وتفخر مملكتنا الغالية بما وصلت إليه من نجاحات متوالية في نهاية كل موسم حج، حيث يعلن في نهاية كل عام عن نجاح موسم الحج وخلوه من الأمراض، وذلك بفضل الله ثم بفضل ما تقدمه الدولة -رعاها الله– من خدمات جليلة باتت محط إعجاب العالم ككل، وذلك من خلال النقل المباشر والحي من كافة أجهزة الإعلام حول العالم التي تتابع سير الحج لحظة بلحظة طيلة أيامه ولياليه، حيث يتجلى بوضوح مدى الخدمات التي ينعم بها حجاج بيت الله الحرام، الذين يجتمعون في بقعة جغرافية صغيرة في أيام معدودة بكثافة عالية من تأمين الإعاشة والتنقل والسكن والخدمات الصحية وغيرها من الخدمات التي يحتاجونها، ومع زيادة أعداد الحجاج عامًا بعد عام، تزداد جودة الخدمات، وتتجاوز التوقُّعات. موسم استثنائي ومع أن موسم الحج في العام الفائت 1441ه كان موسماً استثنائياً، إلاّ أنه لم يكن أول تحدٍ تتغلب عليه بلادنا في موسم الحج، فبخبراتها المتراكمة وتفانيها في تيسير رحلة الحجاج وبعون من الله أولًا وآخرًا كان حج عام 1441ه محطة في مسيرة نجاحات المملكة في موسم الحج، فقد تعلق الناس بثقة في قرارات حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- نتيجة ما يرونه من نجاحات متتالية كل عام، وحرص وتفانٍ كبير في خدمة حجاج بيت الله الحرام، وما مروا به بأنفسهم من تجارب في رحلاتهم إلى الحج، فبدافع الاهتمام الذي أولته رؤية المملكة 2030 إلى خدمة ضيوف الرحمن، كان لمبادرات برنامج التحول الوطني بالتعاون مع الجهات المعنيَّة نصيباً من الاستعدادات المسبقة لإنجاح موسم الحج الاستثنائي في ظل انتشار جائحة كورونا، حيث كثَّفت وزارة الصحة جهدها منذ ظهور الجائحة في السيطرة عليها والحد من انتشارها، واستمرت جهودها مع اقتراب موسم الحج، إذ وضعت خطة للاستعداد لموسم حج 1441ه الاستثنائي بإقامة الحج بأعدادٍ محدودة جدًّا، وفحص جميع المشاركين في أداء فريضة الحج، وتوفير الإجراءات الوقائية والاحترازية كافة، والحرص على تحقيق التباعد الجسدي، وإخضاع جميع المشاركين للعزل المنزلي قبل بدء مناسك الحج وبعد الانتهاء منها، بالإضافة إلى توفير الخدمات الصحية اللازمة خلال أيام الحج، واشتراط 20 حاجاً كحد أعلى لكل باص، وتوفير مستشفيات ميدانية وعيادات متنقلة في المشاعر المقدسة وداخل مكةوالمدينة، وكذلك توفير أساور كورونا لجميع الحجاج لرصد العزل المنزلي قبل الحج وبعد الانتهاء منه، وتقديم خدمات الدعم والاستشارة من 937 ب13 لغة، وتجهيز 140 متطوعاً صحِّياً استعداداً لتوزيعهم على النقاط الرئيسة في الحج. رعاية صحية وتفخر وزارة الصحة بخبراتها المتراكمة لحماية الحجاج من الأوبئة والأمراض، إذ إن نجاح المملكة في استضافة ملايين من الحجاج سنويًا من أماكن مختلفة وبيئات متعددة، ومن مختلف الأعمار والجنسيات، أكبر دليل على الرعاية الصحيَّة المميزة التي توفرها المملكة لحجاج بيت الله الحرام، ففي موسم حج 1440ه الذي حظي بإعجاب منظمة الصحة العالمية وإشادتها بالجهود المبذولة، استفاد 1,690,000 حاج من الخدمات الإسعافية والوقائية، وتنوعت الخدمات المقدمة بين 36 عملية قلب مفتوح، وأكثر من 750 قسطرة قلبية، و3328 جلسة غسيل كلوي، و151 عملية مناظير، بينما استفاد 6034 من الخدمات العلاجية للمستشفيات التي وفرت 5000 سرير لمستفيديها، وسُجلت 12 حالة ولادة، وقُدِّمت الخدمات كافة بالمجان. تطورات كورونا وأعلنت وزارة الحج والعمرة أنه تقرر قصر إتاحة التسجيل للراغبين في أداء مناسك الحج لهذا العام 1442ه للمواطنين والمقيمين داخل المملكة فقط، بإجمالي 60 ألف حاج، وذلك في ظل ما يشهده العالم أجمع من استمرار تطورات جائحة فيروس كورونا المستجد -كوفيد 19- وظهور تحورات جديدة له، مشددةً على ضرورة أن تكون الحالة الصحية للراغبين في أداء مناسك الحج خالية من الأمراض المزمنة، وأن تكون ضمن الفئات العمرية من 18 إلى 65 عاماً للحاصلين على اللقاح، وفق الضوابط والآليات المتبعة في المملكة لفئات التحصين. وأشارت الوزارة إلى أن المملكة -وهي تتشرف باستضافة الحجاج في كل عام- تؤكد أن هذا الترتيب يأتي من منطلق حرصها الدائم على صحة الحجاج وسلامتهم وأمنهم وسلامة بلدانهم أيضًا، ولذا فقد حرصت على وضع الخطط التنفيذية لتحقيق جميع الاشتراطات وتوافر جميع المعايير الصحية، وقالت الوزارة في بيان لها: تؤكد وزارة الحج والعمرة أن حكومة المملكة تولي دومًا سلامة الحجاج وصحتهم وأمنهم حرصًا بالغًا وعنايةً تامة، وتضع ذلك في مقدمة أولوياتها امتثالاً لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية، مع تقديمها كل التسهيلات اللازمة التي تيسر لضيوف الرحمن أداء مناسك الحج والعمرة، وتمكّنهم من الوصول إلى المشاعر المقدسة بكل يسر وسهولة. الحرم في بداية عهد المؤسس الملك عبدالعزيز العام الماضي شهد حجاً استثنائياً بسبب وباء كورونا خدمات صحية وعناية فائقة بالحجاج التنقل بين المشاعر بكل يسر وسهولة