تشهد وزارة التعليم حراكاً فاعلاً في شتى قطاعاتها ووكالاتها والجهات التابعة لها، ومن ذلك احتضانها في أروقتها لملتقى هو الأول من نوعه بعنوان: (ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم آفاق وتطلعات) ويأتي هذا الملتقى بعد أن أنشأت الوزارة قبل بضعة أشهر إدارة عامة تعنى بالشراكة المجتمعية والتطوع، أسوة بغيرها من قطاعات هذه الدولة المباركة مواكبة لرؤية المملكة 2030 والتي أولت القطاع غير الربحي العناية الفائقة والاهتمام البالغ. ولا يخفى تميز هذه الوزارة بعنايتها بقيمة عظيمة وهي قيمة العلم والتعليم، كما شهدت الوزارة مؤخراً توسعاً طيباً في إنشاء الجمعيات الأهلية المتخصصة والمعنية بالعلم والتعليم والتربية وتطوير الأساليب والوسائل لمساندة الوزارة في تحقيق رسالتها. وتشترك بعض مؤسسات القطاع غير الربحي مع الوزارة في هذه الرسالة مثل المؤسسات المانحة والشركات الوقفية والمؤسسات الأهلية ونحوها. وإن من أعظم الروافد العملية التعليمية الوقف على التعليم حيث كان ولا يزال للوقف آثاره الشهيرة ودوره البارز، فهو من أسس حضارة المسلمين، وهو الرافد المعين لأعمال الخير والبر والإحسان على مر العصور والأزمان. ولقد وقف (الوقف الإسلامي) شامخاً أمام صروف العوادي وتقلبات الزمان، وصار بحول الله سداً منيعاً لحماية تراث المسلمين وحضارتهم ورعاية العلم والعلماء والباحثين والدارسين. وعرف الوقف منذ شع نور الإسلام في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أول عمل قام به صلى الله عليه وسلم أن أسس وأوقف أول مسجد في الإسلام، وهو مسجد قباء وبنى بعد ذلك مسجده (المسجد النبوي الشريف) ثم إنه صلى الله عليه وسلم حث على الوقف في سبيل الله ورغب فيه، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). حتى تسابق أصحابه -رضي الله عنهم- لإدراك هذا الفضل العظيم والأجر الجزيل، حتى جاء في بعض الآثار أنه لم يكن أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم ذا مقدرة إلا وقف. وكان للوقف الإسلامي دوره الكبير في نشر العلم وتعليمه، وإنشاء المدارس والكتاتيب والخلاوي العلمية، ورعاية العلماء والطلبة وإعانتهم على طلب العلم وكفايتهم مؤنتهم. ولقد أرصدت الأرصاد وأوقفت الأموال الكبيرة على العلم والتعليم لقناعة المسلمين بأن العلم نور، وأنه يبني البيوت والمجتمعات ويضيء للأمة دربها وينشئ جيلاً نافعاً لنفسه خادماً لأمته راعياً لحقوقها قائماً بدوره في المجتمع خير قيام. وما قامت حضارة الإسلام في أحقاب مضت إلا بالعلم وما سادت أمة الإسلام على سائر الأمم إلا بالعلم، وتعاقبت دول الإسلام دولة دولة في خدمة الوقف ورعايته وبدأ التنافس على ذلك بين السلاطين والملوك وأمراء الإسلام حتى شيّدت مدن بأكملها للوقف على العلم وأهله، وأقيمت الجوامع العظيمة كالجامع الأموي وجامع الأزهر وجامع الزيتونة وغيرها، وكانت منارة للعلم يجلس فيها كبار العلماء ويرد إليهم آلاف الطلبة والتلاميذ من كل حدب وصوب ينهلون من علمهم ويغرفون من بحارهم. وكان وراء هذه الحركة العلمية العظيمة أوقاف مرصدة لرعاية العلم والعلماء وطلبة العلم ونسخ الكتب وتوفير اللوازم وصرف المرتبات وتوفير السكن والإعاشة لأجل التفرغ للعلم والتعليم. ثم لم تزل الأوقاف تقوم بدورها الرائد في خدمة العلم في بلادنا الحبيبة ومن ذلك تلك الأوقاف العظيمة التي شيدتها وزارة التعليم / التعليم العالي في بعض جامعاتنا العريقة كجامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبد العزيز وغيرها.