لأهمية ليلة القدر وفضلها نشأت العديد من المعتقدات الشعبية عنها لدى معظم الشعوب الإسلامية، ولعل حكاياتنا الشعبية من المصادر المهمّة التي يمكن من خلالها التعرّف على شيء من تلك المعتقدات وتأملها، لاسيما أن المعتقدات الشعبية عموماً من أصناف التراث الشعبي شبه المهملة، والتي لم تنل العناية التي تستحقها من كثير المدونين والباحثين لأسباب أشرت إليها سابقاً. ويمكننا ملاحظة أن المعتقدات المتعلقة بليلة القدر في مجملها معتقدات تُبنى، غالباً، على فهم سطحي أو غير دقيق لنصوص شرعية صحيحة وثابتة. وقد أشار الأستاذ عبده خال إلى عدد من المعتقدات الشعبية المتصلة بليلة القدر في تعليقاته على حكاية (كبّر راسي) الواردة في كتابه (قالت حامدة: أساطير حجازية)، وتحكي عن شخص طيّب عاش حياته حزيناً بسبب سخرية الناس المستمرّة من حجم رأسه الصغير، فقد كان رأسه بحسب وصف الراوي: «أصغر مما يتوقّع أي خيال». وفي ليلة سبع وعشرين من رمضان انفتحت السماء و»نزلت عليه ليلة القدر»، وبعد سماع صوتٍ يُطالبه بالدعاء قال: «يا ربّ كبّر راسي»، وبعد أن أصبح رأسه كبيراً جداً أصيب بالهلع ودعا: «يا ربّ صغّر رأسي»، وعندها صغر رأسه «حتى أصبح كالليمونة» فدعا ثالثة: «يا ربّ رجّع راسي زي ما كان. فرجع رأسه كما كان وخسر ليلة القدر». وذكر خال أن الاعتقاد الشعبي هو أن «نزول ليلة القدر» أو إدراكها لا يرتبط بالعبادة ومدى الاجتهاد فيها، فمن يوفق لإدراك هذه الليلة المباركة هم الرجال والنساء الطيبون والأكثر تسامحاً. كما بيّن أن المقصود بنزول ليلة القدر في الذاكرة الشعبية نزول مادي «كأن يرى الشخص حبالاً من نور تتدّلى من السماء، أو بقعة ضوء تتركّز على الشخص المقصود بالنزول أو ريحاً طيبة وسلاماً داخلياً وشعوراً برغبة في الطلب». وأورد الأستاذ مفرج بن فراج السيد في كتابه (قصص وأساطير شعبية) قصة عنوانها (الرجل ودعواته الثلاث) تشابه كثيراً حكاية (كبّر راسي)، وذكر معتقداً شعبياً عن ليلة القدر يؤكد ما ذكره خال عن اعتقاد الناس في رؤية ليلة القدر، وهو أن من يراها «يرى النجوم على وجه الأرض معلقة بسلاسل، ويرى نوراً ساطعاً كأنه النهار»، وأضاف السيد بأنهم يعتقدون بأن من يرى ليلة القدر تكون له ثلاث دعوات مستجابة. وتختلف القصة التي أوردها عن حكاية خال في جزئية صغيرة تتعلق بسبب الدعاء، وهي أن الرجل دعا الله أن يُكبّر رأسه لأنه سمع «أن الناس العظماء تكون رؤوسهم كبيرة». وأنبّه هنا إلى أن هذه الحكاية بصيغتيها الشعبيتين، عند خال والسيّد، لا تعدو أن تكون صياغةً محسّنة من حكاية قديمة ذات طابع جنسي وردت في كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة)، وأشار محقق الكتاب الأستاذ سعيد الغانمي إلى صيغة أخرى شبيهة لا تتعلق بليلة القدر أوردها الثعالبي في قصص الأنبياء. ودوّن السيّد أيضاً حكاية أخرى يؤيد مضمونها ما ذكره خال عن الاعتقاد الشعبي بأن الأشخاص الطيبين والبسطاء هم الأقرب لإدراك ليلة القدر واستجابة دعائهم، ففي (قصة المولد مع ليلة القدر) أنّ مولَداً يعمل في فتل الليف رأى ليلة القدر فدعا: «يا رب املأ حوش بيتي ليفاً مسمراً»، وعند الصباح وجد حوشه مملوءاً بالليف الخالص من الشوائب كما طلب. وتذكر الحكاية أن العلماء والمشايخ والعُبّاد تعجبوا لإجابة دعاء المولد رغم أنهم سهروا تلك الليلة يتحرون ليلة القدر لكنهم يروا شيئاً.