الإيمان بوجود كرامات يختص الله -عز وجل- بها الأولياء والصالحين، إكراماً لهم، إيمانٌ راسخ لدى كثير من الشعوب في العالم، والشعوب الإسلامية على وجه الخصوص، وفي تراثنا الشعبي السعودي حكايات عديدة تؤكد على وجود مثل هذا الإيمان وترسُّخه. وقد أشار الشيخ محمد بن ناصر العبودي (ت2022م) إلى اعتقاد فئة من الناس في محيطه بأن المسافات الطويلة تُطوى للصالحين بقدرة الله، أي أن الأرض تتقلّص مساحتها لهم أثناء السفر فيتمكنون من الوصول إلى مقاصدهم سريعاً. ونقل لنا قصة العبد صبيح الذي كان رجلاً صالحاً تطوى له الأرض، وكان «يذهب من محل إقامته في أشيقر في ناحية الوشم بعد أن يصلي العشاء مع الجماعة فيها إلى بيت المقدس ثم يعود لكي يسني على بستان سيده قبل طلوع الشمس». وأورد أيضاً قصة طريفة تؤكد على قناعة وإيمان جماعة ممن وصفهم بالمتدينين السُذّج بمثل هذه القصص. الكرامات أمور خارقة يُظهرها الله على أيدي أوليائه الصالحين، وكثيراً ما يكون دعاء الولي سبباً في حدوث الأمر الخارق للعادة بغض النظر عن التزامه بآداب الدعاء أو تأكده من صحة الصياغة، فالدعاء في حكايات الكرامات الشعبية يؤدي دوراً مماثلاً لدوره في حكايات الكرامات الصوفية، وقد ذكرت الباحثة فائزة زيتوني في دراسة عنها أن الدعاء فيها: «أسلوب سحري للتحول ولإنجاز المهام المستعصية»، وأنه أشبه ما يكون بتعويذة شفوية «لها القدرة الكافية لتغيير الأشياء وتحويل مجريات الأحداث». ونرى أثر الدعاء في حدوث الكرامات في العديد من الحكايات كحكايتي: (القلب لله)، و(واجب السيد) اللتين أوردهما الأستاذ عبده خال، وقد كان بطل الأولى رجلاً بسيطاً يقف مع الناس على شط النهر في انتظار قارب ينقلهم إلى الضفة الأخرى، وحين يأس الناس من قدوم القارب انصرفوا ما عدا البطل ورجل آخر كان «متفقهاً في الدين وعالماً في علوم الشرع»، وبعد طول انتظار دعا الرجل البسيط بالدعاء الوحيد والغريب الذي يحفظه: «تغفر أو لم تغفر، لا بدّ أن تغفر»، فأنكر عليه العالم ووبخه وأمره بأن يتأدب مع الله، فاعتذر بأنه لا يعرف غيره، وحين ابتعد عنه العالم تفاجأ برؤيته «يسير على الماء» متجهاً إلى الضفة الأخرى! أمّا بطلة الحكاية الثانية فتشترك مع السائر على الماء في كونها إنسانةً بسيطة لا تُحسن من الدعاء إلا دعاءً واحداً، فهي جارية تعمل في خدمة رجل عابد لاحظ خروجها المتكرر بعد إنهاء أعمالها اليومية، وأنها لا تعود إلا مُتأخرة، فشكّ بها وأساء الظن وتبعها إلى مكان بري تحف به الأشجار، وقد ذهل وأصابته الدهشة عندما رآها: «تصلّي فكانت إذا سجدت سجد كلّ ما يجاورها من شجر»، وعندما سألها عن الدعاء الذي تدعو به في صلاتها قالت: «كنت أقول.. أديت واجب سيدي واجب ستي وذحين أودي واجبك يا ربي»..! وفي بعض الحكايات يكون الإصرار على إنجاز عمل صالح: كأداء فريضة الحج، سبباً في حدوث الكرامات كما حدث مع بطل حكاية (وداعة الله)، وهي تبدأ بداية متوقعة بترك البطل لزوجته الحامل في كهف يمر به طريق الحج، وتنتهي بنهاية عجائبية تضعها في دائرة حكايات الكرامات. ختاماً أقول إن حدوث الكرامات في الحكايات الشعبية الوعظية من العناصر العجائبية التي تمنحها الكثير من الجاذبية وتمنح مستمعيها مزيداً من المتعة والدهشة، سواء آمن بها المتلقي أو نظر إليها على أنها مجرد كذب واختلاق بهدف الإعلاء من منزلة بطل الحكاية أو القيمة التي يحملها.