شكّل التنظيم الجديد لاستخدام طائرات التصوير الجويّ الدرون بدون طيار، أو ما يعرف بتصوير ال(Drone) بضوابطه، واشتراطاته الجديدة، شكّل فرصةً مواتيةً لهواة الصورة، ثابتةً كانت، أو متحركة، حيث سهُل اقتناء هذه الأداة الخفيفة، والعملية في الوقت نفسه، وتوفرت في الأسواق بأنواعٍ، ومميزاتٍ تقنيّةٍ مختلفة، وشرع الهواة، والمحترفون في إطلاق العنان لهذه العدسات المحلّقة فوق المرتفعات الشاهقة، وعلى ضفاف الأودية والشعاب، وفوق رمال السواحل، وفوق القرى وشوارع المدن، واستطاعت هذه المهارة الجديدة أن تستقطب الملايين من المشاهدات بعد فتراتٍ بسيطة من لحظة التقاطها، وبثها من حسابات المصورين، ووسائل اتصالهم وتواصلهم مع المتابعين، في عالم لا تحده حدود الزمان والمكان، لقد استطاعت هذه الطائرة الصغيرة في حجمها والكبيرة في أثرها، وأدائها أن تتجاوز مهمتها الأولية التي صُنعت من أجلها كأداة عسكرية اكتشافية في بادئ الأمر، لتكون أداةً بالغة القيمة والأثر في عالم الإخراج السينمائي، وفي تقديم المزيد من الإثارة والدهشة للمشاهد، نظراً لاتساع زوايا الالتقاط بشكلٍ كبير، حيث بإمكانها الوصول إلى أماكن مرتفعة أو دقيقة جداً، تصعب على أدوات التصوير العادي، كما أنّ تحليقها الجويّ يمنحها قدرة على إيجاد منظور مختلف لم تعهده العين من قبل، وهذا ما يجعل هذه العدسة الطائرة أكثر جاذبيةً، ولفتاً لانتباه المشاهد، وإمتاعه. والملاحظ هو اتساع رقعة المصورين الذين استهوتهم هذه التقنية الوثائقية المتطورة، فأغرت الكثير من الهواة إلى التجريب والالتقاط في أزمنةٍ وأماكن مختلفة، كلٌّ حسب ذائقته، وزاوية نظره، ومن خلال مستويات الارتفاع التي يراها، ولقد منحت هذه التجارب في نظري بعداً سينمائياً جديداً، بدأ يتشكل مؤخراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال المنصات والتطبيقات المختلفة، التي منحت عشاق التصوير والتوثيق ميداناً تنافسياً رائعاً، وأوجدت سباقاً سينمائيّاً نحو التميز والتفرد، فأصبحنا نرصد من خلال عدساتهم جمال الشعاب، وروعة انسياب الأودية، وجماليات الشلالات، ومساقط السيول والأمطار، ومواقع التراث، وآفاق السهول والرمال، وأعطى التنوع المناخي والتضاريسي لوطننا الحبيب مجالاً (للدرون) كي تحلق بنا عبر مسافات وارتفاعات لم تكن في متناول عدسات التصوير في الفترات السابقة، وكأننا أمام مرحلةٍ إبداعية جديدة، تحكمها الذائقة والمهارة الشخصية المكتسبة عبر التجارب الخاصة، مرحلة توثق جمال الطبيعة، ومظاهر الحياة الاجتماعية المختلفة، ولاشك أن هذا المجال الإبداعي جدير بالاهتمام والعناية والتطوير، وحري بفتح مجالات التدريب، واكتساب الخبرات الفنية في التعامل مع هذا المسار الفنيّ الجديد، وذلك من خلال الاستفادة من خبرات التصوير وإمكاناته حتى ولو كانت أجنبية، غير أنه من الأهمية بمكان حين نتناول هذه الهواية أن نؤكد على الالتزام بضوابط الاستخدام، والخصوصية الاجتماعية، التي تراعي المواقع الخاصة، وتحترم الأسوار والأملاك، وفي الأرض متسعٌ وفضاء للتجريب والابتكار والإبداع السينمائي الجديد، بعيداً عن الإيذاء أو التجاوز، ولكنها تبقى عموماً تجربةٌ تستحق التفاعل والاهتمام، وظاهرةٌ صحيّةٌ تؤسس لنمط سينمائيٍّ معاصر، يواكب المستجدات، وينسجم مع التغذية البصرية التي تنال قصب السبق من وقتنا اليومي، ومن فترات تعلقنا بشاشات الأجهزة المختلفة، فهل تتطور هذه الهواية مستقبلاً لتشكل رافداً ثقافياً وفنياً في المراحل القادمة ؟ بحيث يشكل هذا الزخم الفوتغرافي مكتسباً وطنياً له قيمته الوثائقية والتاريخية وله معارضه وتظاهراته الجماهيرية المنتظرة، هذا مانرجوه مستقبلاً.