الفكر الفني بطبيعة الحال هو مساحة إبداعية لا حدود له فكرياً ولكن لها حدود واقعية، يفرضها العرف أحيانا والذوق العام والعادات والتقاليد حسب كل مجتمع، بالإمكان أن تأتي برواية فيها الكثير من الخطوط الحمراء، وتنشرها ويتم الاحتفاء بك، ولكن ستكون داخل الدائرة التي حولك، لن تصبح سيرتك مخلدة أدبيا، مهما كان المجتمع الذي تعيش فيه منفتحاً، ستكسب هالة إعلامية مؤقتة وتختفي! إذا اعتبرنا الفن مختلفة أنواعه بعيد عن تجسيد للواقع الاجتماعي، فنحن نظلمه ونظلم المجتمع في الوقت نفسه، الفن حالة إبداعية منفردة، لا نقسوا عليها بأنها صوت الناس، هي أفكار خارج المألوف نناقش بها ظاهرة أو حالة في المجتمع معينة ولكن لا نعممها، ونعتبر ما تم رسالة أو نصل بالمبالغة أن نعتبرها تمثيلا للواقع الحقيقي، لأن «الرمزية» هي الحالة الإبداعية، أما «الواقعية» المباشرة ونقل الأحداث كما هي تخرج هنا من الإبداع للعمل التوثيقي سواء المصور أو المكتوب! ما جعلني أتناول هذه المقدمة، أنني أستغربت وجود الفيلم السعودي «مندوب الليل» على متن الخطوط السعودية، صحيح أنه فيلم جيد فنيا ونجح بدور العرض لأسباب عديدة، من أهمها الفقر السينمائي السعودي والطبيعي الذي نعيشه وسنعيشه لفترة مستقبلية قد تتجاوز العشر سنوات، بسبب الحالة الاجتماعية والنظامية لمفهوم العمل السينمائي المنبوذ حتى قبل أبريل «2018» تاريخ العودة الرسمية للسينما بالسعودية بعد عقود من منعها. لكن فيلم «مندوب الليل» عندما تقدمه بتفاصيله الداخلية والعميقة، والتي لن يفهمها إلا عدد قليل من أبناء المجتمع، وتعرف الآخرين بفكرة فنية «فردية» عن مجتمعنا، فنحن هنا نظلمه كعمل جيد، وكذلك نظلم المجتمع أمام الآخرين، الذين سيتعرفون علينا اجتماعيا بصورة لا تمثلنا من خلال هذا الفيلم، ليس من باب المثالية والبعد عن الواقع، كون هناك أفلام ممكن تكون مقتصرة على دور العرض السينمائي فقط، ولا يمكن تصديرها للخارج. صحيح أننا لسنا مجتمعا ملائكيا، وأننا مثلنا مثل المجتمعات الأخرى، ولكن من حقنا إذا خرجنا للعالم عبر وسائل وأدوات «رسمية» أن ننتقي ونختار الصورة الجيدة والمفهومة للآخرين، كحق لهم علينا وكحق لنا لنكون أكثر وضوحا للآخرين، بعيدا عن تفاصيل «عميقة» ومحاذير اجتماعية نحاول أن يكون إبداعنا الفني مرتكزا عليها كنوع من الجرأة أو الانفتاح، كما هو حاليا أحد الأفلام الذي بدأ حملاته الإعلامية بمشاهد تذكرنا بإعلانات سينما «المقاولات» الرخيصة بمصر في فترة من الفترات وانقرضت ولم تستمر رغم تجاوزها الخطوط الحمراء. نعم نحتاج دعم الأفلام السعودية والأعمال الأدبية السعودية، ولكن لا بد أن نتذكر أن لكل مقال مقام، فالفئات المستهدفة مهمة، والتوجه لخلق صورة اجتماعية واقعية ممزوجة بالإبداع عن مجتمعنا مهمة أكثر، والرقابة للذوق العام أهم أيضا!