بدر بن عبدالمحسن الذي لا يختلف على الإعجاب بشعره اثنان في الوطن العربي، الإنسان الذي فقدنا برحيله صوتًا وحرفاً فريدًا ومبدعًا يعبق بالألق والجمال. حقق شاعرنا ثراء فريداً وإنجازات كبيرة في عالم الشعر، وكانت قصائده تحمل روحاً عميقة وتعكس مشاعر الدفء والحنين بأسلوبه الفريد. "سقى الله في العمر ليله.. ظهر في صفوها بدرين.. قمرها.. ووجهك الفتان ألا ليت الفجر.. ما بان.. ترى فرقى الأحبه شين"، لم يكن شاعرنا مجرد شاعر بل كان قائدًا للكلمة وملهمًا لمتذوقي الكلمة، فبفضل موهبته الاستثنائية، استطاع أن يخلق قصائد تلامس وتتغلغل في قلوب الناس ومحبيه الذين أيقظت قصائده جذوة العشق في قلوبهم صبابةً وجوى وحنيناً لامتيازها بالصدق والعمق والجاذبية. كان قادرًا على نقل المشاعر والأفكار بكلماته الرقيقة والمؤثرة، وبالتالي أصبح رمزًا للشعراء والأدباء في بلادنا والوطن العربي قاطبة. "أحلم.. أحلم بك دايم جنبي وأنا صاحي ونايم ياللي أيامي بدونك ماهي من العمر"، فيلسوف الشعر الذي اجتمع الجميع على حبه وتقديره، فقد كان مهندس الكلمة وعبقري الصور الشعرية والمحبوب الذي ارتبطت به قصص الحب والولاء والإلهام فكلما قرؤوا قصائده أو سمعوها من مطربوها، تذكروا لحظات البهجة والحزن والحب التي مروا بها في حياتهم. كانت قصائده ملاذًا للروح ومصدر عبقرية الدهشة وما الشعر إلا تلك العبقرية المدهشة. "المحبة أرض والفرقا أراضي ... والزمن كله ترى لاغبت ماضي والله إني ما أشوف إلا عيونك ... إن رحلت اليوم أو طوّل مراضي"، رحيله ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الأدبية والفنية، فلن يتكرر مثله ولا قريباً منه وليس هناك من يستطيع ملء مكانه. إنه فقدان يُحزن القلوب ويجعلنا نتساءل عن كيفية استمرار عالم الشعر البديع بدونه. ومع ذلك، يبقى إرثه حيًا فقد ترك لنا كنزًا من الكلمات الجميلة والأفكار العميقة التي ستستمر في إلهام الأجيال القادمة. "تذكّر الحلم الصغير وجدار من طين وحصير وقمرا ورا الليل الضرير عند الغدير وان هبت النسمه تكسّر"، هكذا نودع شاعرنا الغالي الآسر، الذي عاش في قلوبنا وسيظل يعيش من خلال كلماته. رحيله قد يكون مؤلمًا، ولكن نحن ملتزمون بأن نحمل مشعل الشعر والإبداع الذي أشعله، وأن نستمر في تعريف التعبير عن الجمال والمشاعر من خلال الشعر. عندما نتذكره، فإننا نستحضر روحه الفذة ونقدّر ما قدمه لثقافتنا وتراثنا الأدبي. عند تأبين الشاعر، يجب أن نحرص على عدم إغفال أهمية دور الشعر في حياتنا وثقافتنا. إنه ليس مجرد فقدان شخص بل فقدان لجزء من هويتنا الثقافية، الأمر الذي يتعين علينا المحافظة على روح الشعر والأدب وتشجيع الشباب على الكتابة والتعبير الشعري. إن تأبين الشاعر يعني أننا لا ننسى إرثه ولا نتوقف عن تقدير فنه وإبداعه، يظل حضوره حاضرًا في قلوبنا عبر السنين وفي كلماته التي تستمر في إلهامنا وإثراء ثقافتنا أجيالاً تلو الأخرى. "ناديت ما كن السنين اللي مضت راحت كنا افترقنا البارحة البارحه صارت عمر ليله أبد عيت تمر يا جمرة الشوق الخفي نسيت أنا وجرحك وفي"، بقدر شعورنا بالحزن والألم لفقدان ملهمنا العظيم، إلا أننا نحمل ثقة بأن إرثه سيستمر في ذواتنا وجينات مجتمعنا لما يحمله في ثنايا مفرداته المنتثرة في أوراق دواوينه وعلى حناجر من تغنى بعبق حرفه. إن ذكره في كل المنصات والمحافل يأتي كتكريم لشخصيته وإنجازاته، ولكنه أيضًا يعزز الوعي بالقيمة العميقة للشعر والأدب في حياتنا. في ظل هذا الحزن العميق، يمكننا أن نستلهم روح الشاعر ونحاول التعبير عن أحاسيسنا ومشاعرنا العميقة من خلال الشعر. يمكن للشعر أن يكون وسيلة للتعبير الفريدة والجميلة، ويمكن أن يكون مصدرًا للقوة والتأمل في وقت الحزن والفقدان فهذا حال الدنيا "مابه جديد!. مرَّتني الدَّنيا.. بتسأل عن خبر مابه جديد.. عُشَّاق ليله تفارقوا.. وصاروا بعيد.." قد يكون الشعر وسيلة للتعبير الذاتي، ولكنه أيضًا قوة دافعة للتواصل والتلاقي. إنه يتجاوز حدود الثقافات واللغات، ويصل إلى قلوب الناس بصورة عالمية. لذا، نحن مدعوون لنشر الشعر والأدب والتعبير الفني بيننا، وبذلك نخلق جسورًا للتفاهم والتواصل بين الثقافات المختلفة. علاوة على ذلك، يمكن للشعر أن يكون مصدرًا للحكمة والتشافي والتأمل، إذ يوفر لنا الاستماع إلى القصائد وقراءتها لحظات من الهدوء والتأمل، حيث يمكننا أن نتواصل مع أعماق أنفسنا ونستلهم الأمل والقوة للتغلب على التحديات التي نواجهها. "زمان الصمت يا عمر الحزن والشكوه يا خطوه ما غدت تقوى.. على الخطوه على هم السنين.. وترحل.. صرختي وتذبل"، يجب أن نتذكر أن المبدعين لا يموتون بل يعيشون من خلال أعمالهم الخالدة التي تتجاوز الزمان والمكان، ونحن على يقين من أن أجيال المستقبل ستعرف البدر وستستمد من إبداعاته. فلا يمكن للموت أن يمحي إرث الشاعر المبدع وتأثيره على ثقافتنا، فكلماته الآسرة ومشاعره العميقة ستظل تعيش في قلوبنا وتتنفس في كلماتنا. ومن هذا المنطلق، علينا أن نستمر في إحياء ذكراه من خلال تنوير الناس بأعماله وجمع موروثه الثقافي وتداولها محلياً وعالمياً، فهي الطريقة المثلى للحفاظ على التراث الأدبي وتمكين الشعر من الاستمرار في رحلته الخالدة. "ألف غصن من اليباس فز لاجلك وانثنى اكسري الاوهام كاس وان عشقتيني انا ما ابي من الناس ناس ما علينا لو طربنا وانتشينا".