صحيح هي مشاعر خاصة في وفاة سمو الشعر والشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن «شاعر الوطن والأرض والحب والأمل والألم والفرح والحزن»، «بصدق الشاعر الإنسان»، رحمه الله رحمة واسعة، ولكن يشاركني بعضكم في مشاعر الجمال والصورة الشعرية، والتواضع، والقرب من الناس، والتجديد في المفردة، والتميز في السبك والحبك والقافية، ويشاركني منكم وكذلك معكم الرقي والتألق في الأغنية لمن أحبها في وقت ولو قصير من حياته، واختلاف كلماتها ونوتتها وجرسها الموسيقي وعزفها والطرب لها والتغني بها، والخيال الذي يسافر بك معه أينما كان وحل وكتب، هو الشاعر الذي تشعر أنك جزء منه، وتصدقه إذا كتب لك وكتب عنك، شاعر لا منتهى لخياله ولا حدود لصوره ودقة زوايا عدسته، شاعر كأنه ولد مكتمل الحضور مثلما هو أصيل الجذور، شاعر تختلط لديك مع قصائده دموع الفرح ودموع الحزن، ويأخذك في مراحل قصيدته لمشهد درامي وآخر تراجيدي وكأنك هو، وكأنك من كتب القصيدة وعاش الموقف والحدث، وتتألم أو تفرح بما كان وتعيش معه فيما سيكون، شاعر مختلف وإنسان متفرد لا تعلم أي نفس كريمة تسكن معه وتعيش فيه، شاعر مثال للتواضع والقرب وحُسن الخلق ومكارم الأخلاق بصورة فريدة، شاعر لم يجدد أحد قبله في القصيدة العمودية أو الغنائية مثلما قدّم بحب لذائقة الناس، حتى البعيدون عن الشعر عشقوا قصائده ولم يختلف عليه أحد طيلة عقود العطاء، وهو شاعر لم يعش بقصيدته متأرجحاً بين القمة والوسط والقاع بل كان له سنام الإبداع ووشاح التميز وجائزة التفرد. بدر بن عبدالمحسن الشاعر الوطني المطبوع تجد فيه كل أجناس الوطن وكل مناطقه وتضاريسه، وتستغرب صدق الاحتواء ونُبل العلاقة مع المختلفات، قيمة الوطن في نفسه تُمثل طهارة المكان وصدق الإنسان وعذوبة الزمان وهبة الرحمن، كثيرون أحبوا وطننا من خلال قصائده وأيقنوا بسمو الإنسان فينا من خلال وصفه، نقل للعالم قيمة الوطن المضافة لكل سعودي ولكل من أحب السعودية حكومة وشعباً وعطاءً وأثراً وإيثاراً، رسّخ في أرباب الكلمة وحملة رايات الشعر في العالم أن هنا مسقط الشعر ومولده وبذرته وسقياه وثماره، فإن كان للإبداع موطن فهو هنا وبدر من رواده، وإن كان للجزالة شاطىء فبدر له أجمل المراسي وأبدعها وأكثرها خيالاً وخصوبة. بدر بن عبدالمحسن الذي ولد أميراً للحب، ومات أميراً للشعر، وودعنا قبل أن نودعه، وقرأ الغد ونحن معه في الحاضر، وقال مخاطباً لأخيه سمو الأمير سعود بن عبدالمحسن في أزمته الصحية: «لا بدها يا سعود بتغيب شمسي ذي سنّةٍ رب الخلايق فرضها، ولعلها حريتي بعد حبسي ولعلي ألقى عند ربي عوضها»، ولذلك إن نعيناه شعراً عجزنا لأنه المعلم، وإن نعيناه نثراً عجزنا لأنه الأديب، وإن نعيناه دمعاً عجزنا لأن غيابه كالحلم وإن كان بدراً، وسيبقى أثره طالما بقي الجمال ورقي الذائقة وعذوبة الكلمة والخيال اللامنتهي بحدود، وإن نعيناه إنساناً ومواطناً صالحاً صدقنا في كل ما نقول فيه وما نكتب عنه، والعزاء أن رحم هذا الوطن السامي ولاّدة بالمبدعين، ولو كثروا فلن ننسى من تعلمنا منه الإبداع وعشقناه فيه وحزنّا عليه من أجله، فرحيل البدر مؤلم ووداعه يكسر القلب ولا نقول إلا ما يرضى ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون» وإنا على فراقك يا بدر لمحزونون، والعزاء للوطن كافةً حكومة وشعباً وأرضاً، فالمصاب في الإبداع واحد، والجميع في حزن عليه وعلى مثل تلك النماذج الفريدة في العطاء والحب والأثر.