يثير الانحدار المستمر في قيمة الين الياباني القلق بين المستثمرين العالميين، والأمر نفسه ينطبق على الأسر اليابانية العالقة بين تراجع سعر الصرف وارتفاع مستوى الأسعار، وبالرغم من نجاح النقابات العمالية في اقتناص أكبر زيادات للأجور منذ أكثر من ثلاثة عقود، إلا أن ارتفاع معدلات التضخم يلتهم زيادات الأجور، والسبب الحقيقي وراء رفع الأجور يكمن في النقص الحاد للعمالة والتضخم المستمر، كما أن ضعف الين عزز أرباح شركات التصدير مما جعل من السهل على كبار أصحاب العمل الالتزام بزيادات كبيرة في الأجور، والسؤال هنا: لماذا ينخفض الين، وماذا يعني هذا بالنسبة لليابان؟ وعند أي نقطة سيؤدي هذا الضعف المستمر للعملة في تقويض الثقة بالاقتصاد الياباني؟ مع نهاية الأسبوع الماضي، كان الين قد تهاوي إلى نطاق 155 يناً مقابل الدولار، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ يونيو 1990، مع انحسار التكهنات بشأن التخفيضات المبكرة في أسعار الفائدة الأمريكية، في الوقت الذي يقوم فيه المضاربون ببناء مراكز بيع على المكشوف بالين، الأمر الذي يعجل بسقوط العملة اليابانية، ومع استمرار انخفاض الين، يظل التجار على أهبة الاستعداد ضد التدخل المحتمل في السوق من قبل البنك المركزي، بعدما ذكر وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي إن السلطات لا تستبعد اتخاذ أي خطوات للتعامل مع التقلبات المفرطة في أسعار الصرف، وفي وقت سابق شدد محافظ البنك المركزي على أن البنك سيرفع أسعار الفائدة مرة أخرى إذا تسارع اتجاه التضخم نحو هدفه البالغ 2 %. تشير المعطيات الراهنة إلى أن الأمور وصلت بالفعل إلى منعطف تقويض الثقة في الاقتصاد، فقد قبل صناع السياسات ضمنياً انخفاض قيمة الين بنسبة 9.7 % منذ بداية العام وحتى الآن، وعلى الرغم من اللهجة الأكثر صرامة من جانب المسؤولين منذ أواخر مارس، إلا أنه ليس هناك شعور حقيقي بأن المسؤولين سيتدخلون في أي وقت قريب، ولهذا، تتركز المناقشات حول السبب وراء عدم تدخل السلطات النقدية في ظل هذه المستويات المتدنية للعملة، ومع ذلك، فإن فعالية التدخل الحكومي لشراء الين ستكون محدودة التأثير خلال أوقات ضغوط البيع الشديدة، فهناك طلباً قوياً على الدولار بين المستوردين اليابانيين، وإذا أدى التدخل إلى انخفاض سعر الدولار، فقد ترى هذه الشركات في ذلك فرصة جيدة لشراء الين. ضغوط الين وبنك الشعب الصيني أحد العوامل الأقل وضوحاً في ضغوط الين تتعلق ببنك الشعب الصيني، وخاصة تحركاته على أسعار التعادل المركزية اليومية، والتي تعمل بمثابة مبدأ توجيهي لمعاملات صرف اليوان وتؤثر على سعر صرف الدولار مقابل مجموعة واسعة من العملات، وفيما يقول بنك الشعب الصيني إنه يحدد الأسعار بناءً على تقارير من البنوك التجارية حول أسعار الصرف في اليوم السابق وعوامل أخرى، إلا أن طريقة العمل الداخلية لكيفية تحديد الأسعار هي أشبه بالصندوق الأسود، والسبب وراء تأثير المعاملات بين اليوان والدولار على الين يكمن في طبيعة معاملات سوق الصرف الأجنبي القائمة على زوج العملات، ولشرح هذه العلاقة، فإنه خلال تداولات اليوان الصيني بالدولار الأميركي، يقوم الجانبان بتداول عملاتهما المحتفظ بها على أساس سعر الصرف، ولكن إذا أدت التقلبات المفاجئة في السوق إلى اندفاع نحو التجارة، فقد يكون هناك العديد من المتداولين الذين يتطلعون إلى بيع اليوان مقابل الدولار بدلاً من شراء العملة الصينية، أو العكس. وإذا لم يتمكن المتداولون الذين يرغبون في بيع اليوان الخاص بهم من استبداله مباشرة بالدولار، فيمكنهم تحقيق هدفهم من خلال صفقات تشمل عملات أخرى، وعلى سبيل المثال، فإن تنفيذ معاملة تجمع بين بيع اليوان لشراء الين، وبيع الين لشراء الدولار له نفس تأثير بيع اليوان مباشرة لشراء الدولار، ولهذا، أدت عمليات بيع اليوان الناجمة عن أسعار التعادل التي أقرها بنك الشعب الصيني إلى بيع الين وشراء الدولار، مما ساعد على دفع الين إلى مستويات متدنية وتاريخية، ومع ذلك، لا تزال هناك عوامل أخرى تساهم في ضعف الين والدولار القوي، مثل الفرق الكبير في أسعار الفائدة بين اليابان والولايات المتحدة، كما كان الدولار القوي المستمر، المدعوم بسياسات الحماية الأميركية، سبباً في تغذية ضعف الين، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تدعم حملة "اشتري المنتج الأميركي" العملة الأميركية. في حين أن بعض الشركات الكبيرة يمكن أن تستفيد من ضعف الين وازدهار سوق الأوراق المالية، فإن العديد من الشركات الصغيرة في اليابان تكافح من أجل تحقيق الأرباح بسبب كونها أقل قدرة على رفع الأسعار، وقد أدى عقدين من أسعار الفائدة الصفرية والسلبية إلى تحويل اليابان إلى أكبر دولة دائنة في العالم، حيث أصبح الاقتراض بتكاليف رخيصة بالين الاستراتيجية المفضلة من نيويورك إلى لندن إلى هونج كونج، ثم يتم نشر هذه الأموال في أصول ذات عائد أعلى في كل مكان، ولا نغفل أنه من بين العوامل الرئيسية التي أدت إلى استمرار انحدار قيمة الين هو تزايد عزوف الشركات اليابانية عن تحويل أرباحها في الخارج إلى الوطن، وتؤكد البيانات، أن هناك ضعف غير عادي في طلبات شراء الين من المصدرين اليابانيين، وهذا يعني أنهم يختارون الاحتفاظ بالعملات الأجنبية، مع التحوط ضد المخاطر من خلال العقود الآجلة. ويؤثر تراجع العملة المحلية بالضرورة على ثقة المستهلكين، لأن الانحدار يعطي تصوراً سيئاً للأسر حول صحة الاقتصاد، صحيح أن المستثمرون العالميون لا زالوا يضخون رؤوس أموالهم في أسهم مؤشر نيكي، حيث ينظر المستثمرون الأجانب إلى الشركات المتوسطة في اليابان باعتبارها قصة العودة لهذا العام، ولكن في مرحلة ما، سوف يلاحظون الانفصال بين فكرة الاقتصاد المتحرك، وبنك اليابان، فإذا كانت الشركات اليابانية مستعدة لتحقيق الازدهار، كما تأمل الصناديق العالمية، فلماذا يتشبث الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي يتزعمه رئيس الوزراء فوميو كيشيدا باستراتيجية عملة شبيهة باستراتيجية الأرجنتين؟ ولماذا لم يصعد وزير المالية، ومحافظ بنك اليابان إلى المنصة ليعلنا أن ارتفاع قيمة الين يصب في مصلحة اليابان؟، والواقع، أن مشهد بنك اليابان الذي يماطل في تطبيع أسعار الفائدة، وتظاهر وزارة المالية بأن الين هو مسؤولية شخص آخر، وتصرف الفريق الحكومي كما لو أن الإصلاحات الاقتصادية ستعتني بنفسها، لا يفعل الكثير لغرس الثقة في الاقتصاد الياباني. د. خالد رمضان