هناك إنجازات لا يمكن أن تمر دون أن تترك بصمة يضيء بريقها سنين عديدة، نجاحات تحدثت عن نفسها فأبهرت وأسعدت. سأتحدث عن رحلة بحرية تحمل مسمّى (رحلة العقد) لاستكشاف البحر الأحمر، هذه الرحلة أحدثت ضجة إعلامية قبل عدة أشهر لتزف مخرجات جمالها إلى العالم لتفيد البشرية محققة أهدافاً تسعى للمحافظة على البيئة البحرية، رحلة عميقة وفريدة من نوعها، قبطان وبطل هذه الرحلة هو المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. قام المركز بعدة إنجازات نوعية على مستوى العالم وتنوعت مجالاتها، ومن أبرز تلك الإنجازات رحلة العقد لاستكشاف البحر الأحمر، وهي رحلة بحرية لاستكشاف كنوز وثروات البحر الأحمر وكشف ما استتر في قاع البحر، ولتبرز للعالم الجمال المتواري عن الأنظار والثروة التي تستحق هذا اللقب، اُستخدم في هذه الرحلة أحدث التقنيات وبواسطة سفينتي أوشن إكسبلور والعزيزي، وعلى أيدي نخبة من كبار الخبراء وفريق بحثي من دول العالم ليوثّقوا هذه الاكتشافات بإنتاج مواد وثائقية وإعلامية عن المناطق المدروسة، سعياً لإفادة البشرية وتقديم تصور عن بيئات البحر الأحمر وما يزخر نظامه البيئي من تنوع أحيائي. رحلة العقد رصدت اكتشافات تراكمية مبهرة في 19 أسبوعاً من العمل الجاد، اكتشافات تضمنت مستوى البيئات البحرية و المعادن وغيرها. نستعرض أبرز مخرجات هذه الرحلة الشيقة ابتداء بتوفير مخزون فريد من التنوع الإحيائي بدءاً من البكتيريا وحتى الحيتان وتكوين قاعدة بيانات لتكون خط أساس لإدارة المناطق البحرية بشكل مستدام، كما رصد الباحثون 10 ثقوب زرقاء تحتضن نظماً بيئية فريدة، وهناك اكتشافات غير مسبوقة تعود إلى آلاف السنين وهي المداخن الحرارية النشطة، كما أن هذه الاكتشافات قدمت لنا معلومات عن العالم الخفي في البحر الأحمر وهو أنه يحتضن مجتمعاً نشطاً من أسماك الطبقة العميقة، وأن الحيوانات البحرية في قاع هذا البحر تفترس أسماك الطبقة العمية أثناء هجرتها، وهو ما تم رصده ولأول مرة في المملكة العربية السعودية وكان لها السبق في هذا الاكتشاف وعلى مستوى العالم، من جهة أخرى استطاع الباحثون القيام بتقييمات فريدة للتغيرات على مر الزمن، حيث استطاعوا ربط تسلسل الحمض النووي مع تقييمات أعمار رواسب قاع البحر الأحمر ولإعادة بناء تغيرات التنوع البيولوجي لأنواع منذ 1800 عام حتى اليوم. وإن تحدثنا عن جمال الشعاب المرجانية فقد رصدت هذه الرحلة أقوى الكائنات المرجانية العميقة التي توجد تحت عمق يزيد على 1000م. وتتدفق الاكتشافات إلى أن توصلت إلى معلومات حول العمليات البركانية التي تشكل البحر وتدعم تنوعه البيولوجي، حيث تبين للباحثين أنه في البحر الأحمر توجد أكبر مجموعة على الإطلاق من قشور الأرض، وبالغوص إلى أعماقه تم اكتشاف إضاءات كربونية سببها ثلاثة أنواع من البكتيريا الميكروبية تدخل في تركيبها، فوهج البحر الأحمر يظهر في رحلة العقد، وهناك الكثير والكثير من الاكتشافات فيما يتعلق بعالم الحيتان وأسماك القرش والدلافين وغير ذلك يصعب حصرها. ولادة مخرجات هذه الرحلة هو ميلاد جديد لاكتشافات نوعية مميزة لكنوز البحر الأحمر وانطلاقة قوية لمزيد من الدراسات في البحار والبيئات المائية في المملكة وهذا تفرّد به المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، حيث يولي المركز اهتماماً بارزاً في المحافظة على البيئة البرية والبحرية والمحافظة على النظم البيئية واستدامتها ضمن أطر تنظيمية وتشريعية. يجسّد هذه المشروع التزام المركز بالعمل على حماية البيئة، ليكون منشأة ذات أثر كبير في السعي للمحافظة على البيئة، كما ترجمت هذه الرحلة -بحمد الله- الواقع المثالي الذي نعيشه في ظل حكومتنا الرشيدة من دعم لتحقيق التنمية المستدامة لحماية البيئة وتأهيل نظمها لتتواءم مع أهداف المبادرة الخضراء ورؤية المملكة المباركة.